ومنها : الرسائل التي كان يرسلها الرسول ﷺ إلى الملوك وغيرهم كانت تكتب على الجلود أو ما رق من الوسائل. كما في قصة رسالة النبي ﷺ إلى كسرى والتي ذكرها الإمام البخاري فقال :>أن رسول الله ﷺ بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزَّقَه، فحسبت أن ابن المسيب قال : فدعا عليهم رسول اللَّه ﷺ أن يُمَزَّقُوا كل ممزق<(٤). فلم تكن تكتب على الأحجار، وإنما كانت على أدوات قابلة للتمزيق وسهلة للحمل والنقل. وكذا كتابه إلى بني حارثة بن عمرو بن قريظ، حيث رقع به دلوه(٥).
ومن الأدلة التي تثبت وبوضوح أن هذه المقولة لم يقصد بها الحصر، وأن الوسائل المذكورة لا تمثل إلا جزءاً يسيراً من أدوات الكتابة، رسالة الصحابي حاطب بن أبي بلتعة إلى مشركي قريش في مسألة مسير النبي ﷺ لفتح مكة(٦). ففي صحيح البخاري :>أن علياً قال : بعثني رسول الله ﷺ أنا والزبير والمقداد، فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها، قال : فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها : أخرجي الكتاب، قالت : ما معي كتاب. فقلنا : لَتُخْرِجِنَّ الكتاب أو لَنلقينَّ الثياب. قال : فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله ﷺ فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول اللّه ﷺ...<(١).
فلم يقل أحد أنها كانت على قطعة عظم أو حجر أو جريد من نخل، بل بالعكس كانت من الدقة والإتقان بحيث أخفتها المرأة بين شعرها بعد أن فتلت عليها قرونها. فلو أن صحابياً مثل حاطب ابن أبي بلتعة، وقد عرف عنه أنه لم يكن من الطبقة الغنية يمتلك مثل هذه الوسائل الدقيقة والجيدة، بحيث يكتب على شيء رقيق جداً سواء كان من جلد أو رق، بحيث تستطيع المرأة إخفاءه بين شعرها، فهل يعقل أن النبي ﷺ وعنده أموال كثيرة، وحوله صحابة أغنياء عرفوا بالإنفاق على أمور الدعوة، ولا سيما في المدينة يستخدم لكتابة النص القرآني مثل تلك الوسائل البدائية ؟!.