وفي حديث :>لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، فمن كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه< وإسناده صحيح(٥). دلالة على أن عمليات الكتابة كانت جارية في مجلسه ﷺ علي شكل واسع مما حدا به ﷺ إلى نهيهم عن كتابة شيء غير القرآن. وهذا يخالف ما يتشبث به بعضهم من أن عدد الذين كانوا يعرفون الكتابة من الصحابة كانوا قلة قليلة، وأن حالة الكتابة كان ضعيفاً، وأن الأدوات لم تكن لتتوفر إلا بشق الأنفس، لذا كتب على ما ذكر من الأدوات البدائية. فيدل الحديث أنهم كانوا يكتبون بشكل ملفت للنظر، الأمر الذي انتبه له رسول الله ﷺ فنهاهم عن كتابة غير القرآن، وذلك محمول في الظاهر على الجمع بين القرآن وغيره في صحيفة واحدة. وفي الحديث أيضاً إشارة إلى أن بعض الصحابة كان يكتب من تلقاء نفسه عملاً فردياً. وإضافة لما ذكر كان النبي ﷺ يكتب للمسلمين الساكنين خارج المدينة أمور الدين كأحكام الزكاة والديَّات والكبائر والطلاق وأحكام الصلاة وغير ذلك، كما هو واضح من كتابه لعمرو بن حزم ـ ويقال إنه أطول وأجمع كتاب له ـ، الذي استعمله على نجران في اليمن(١).
وينسب إلى المحاسبي أنه قال في كتابه "فهم السنن" :>كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه ﷺ كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى آخر مجتمعاً وكان بمثابة أوراق وجدت في بيت رسول الله ﷺ فيها القرآن منتشراً فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء. قال : فإن قيل : كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال ؟ قيل : لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز، ونظم معروف، قد شاهدوا تلاوته من النبي ﷺ عشرين سنة، فكان تزوير ما ليس منه مأموناً، وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه<(٢).