فكيف يشد مثل ذاك الزخم الهائل من تلك الوسائل المتباينة الأشكال والأجناس بعضها ببعض بخيط واحد ؟. يقول الأشقر :>لا يمكن أن نعقل قيام أبي بكر الصديق بشد الصحاف ببعضها بخيط واحد بعد ثقبها أو بدونه، لا يمكن أن نعقل هذا إلا أن الأمر والفعل كان قد تم على القراطيس والصحف والرقوق الناعمة المسواة التي يمكن جمعها إلى بعض وشدها بخيط بعد ثقبها أو بدونه(١). ويدل على ذلك ما يذكره ابن حجر :>وفي رواية عمار بن غزية (قطع الأديم) وفي رواية أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد : والصحف<(٢).
إضافة إلى كل ما مضى، فإن القرآن المكي يمثل ثلثي القرآن الكريم، أو مايعادل ٨٥ سورة، وعليه فلو فرضنا أن القرآن المكي قد كتب كله أو أغلبه على تلك الوسائل البدائية من الأحجار والخشب والعظام ـ وإن كانت رقيقة ـ فعليه يحتاج النبي ﷺ في نقله للقرآن المكتوب من مكة إلى المدينة لقافلة من الجمال لحملها، ولم يقل أحد أنه قد رافق النبي ﷺ قافلة من الجمال تحمل القرآن المكتوب في هجرته، ولم يثبت أن النبي ﷺ قد أرسل قافلة مثل تلك قبل الهجرة ولا بعدها، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، لم يثبت في السيرة أن المشركين قد أخذوا وصادروا ما تركه النبي ﷺ من القرآن المكي المكتوب بعد هجرته، وقد سبق أن احتمال كتابة المكي في المدينة أمر مرفوض. فلابد والحالة هذه أن الكتابة كانت تتم على قطع من القماش والجلود الرقيقة السهلة الحمل والقراطيس ـ الورق البردي ـ، والرقاع ـ وفسره ابن حجر : بأنه قد يكون من جلد أو ورق أو كاغد ـ.