ثم شرح أبو إسحاق الوسطية التي ينبغي أن يسير عليها المفسر فقال: "والقول في ذلك - والله المستعان - أن المساقات تختلف باختلاف الأحوال والأوقات والنوازل، وهذا معلوم في علم المعاني والبيان، فالذي يكون على بال من المستمع والمتفهم... الالتفات إلى أول الكلام وآخره بحسب القضيّة، وما اقتضاه الحال فيها، لا ينظر في أولها دون آخرها، ولا في آخرها دون أولها؛ فإن القضية وإن اشتملت على جمل فبعضها متعلق بالبعض؛ لأنّها قضية واحدة نازلة في شيء واحد، فلا محيص للمتفهم عن ردّ آخر الكلام على أوله، وأوله على آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلَّف، فإن فرق النظر في أجزائه، فلا يتوصل به إلى مراده؛ فلا يصح الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون بعض، إلاَّ في موطن واحد وهو النظر في فهم الظاهر بحسب اللسان العربي وما يقتضيه، لا بحسب مقصود المتكلم، فإذا صح له الظاهر على العربية، رجع إلى نفس الكلام، فعمّا قريب يبدو له منه المعنى المراد، فعليه بالتعبد به وقد يعينه على هذا المقصد النظر في أسباب التنزيل؛ فإنها تبين كثيرًا من المواضع التي يختلف مغزاها على الناظر..."(١).
ثم ساقه الكلام على القاعدة المتقدمة إلى التعرض إلى مقاصد بعض سور القرآن الكريم، فجاء فيه بالفوائد الممتعة(٢).
(٢) ممن أحسن كتابة في هذا الموضوع - مقاصد سور القرآن الكريم - الفيروزابادي في كتابه بصائر ذوي التمييز.