فالجهة الأولى: هي التي يشترك فيها جميع الألسنة، وإليها تنتهي مقاصد المتكلمين، ولا تختص بأمة دون أخرى؛ فإنه إذا حصل في الوجود فعل لزيد مثلاً كالقيام، ثم أراد كل صاحب لسان الإخبار عن زيد بالقيام، تأتىله ما أراد من غير كلفة، ومن هذه الجهة يمكن في لسان العرب الإخبار عن أقوال الأوّلين - ممن ليسوا من أهل اللغة العربية - وحكاية كلامهم، ويتأتى في لسان العجم حكاية أقوال العرب والإخبار عنها، وهذا لا إشكال فيه.
وأما الجهة الثانية: فهي التي يختص بها لسان العرب في تلك الحكاية وذلك الإخبار، فإن كل خبر يقتضي في هذه الجهة أمورًا خادمة لذلك الإخبار بحسب الخَبر والمُخبِر والمخبَر عنه والمُخبَر به، ونفس الإخبار في الحال والمساق، ونوع الأسلوب، من الإيضاح، والإخفاء، والإيجاز، والإطناب، وغير ذلك"(١).
ثم ضرب أبو إسحاق أمثلة لبيان الجهة الثانية وتوضيحها(٢).
ثم قال: "وإذا ثبت هذا، فلا يمكن من اعتبر هذا الوجه الأخير أن يترجم كلاما من الكلام العربي بكلام العجم على حال، فضلاً عن أن يترجم القرآن، ويُنقل إلى لسان غير عربي إلاَّ مع فرض استواء اللسانين في اعتباره عينا، كما إذا استوى اللسانان في استعمال ما تقدّم تمثيله ونحوه، فإذا ثبت ذلك في اللسان المنقول إليه مع لسان العرب، أمكن أن يترجم أحدهما إلى الآخر وإثبات مثل هذا بوجه بين عسير جدًّا... وقد نفى ابن قتيبة إمكان الترجمة في القرآن - يعني على هذا الوجه الثاني - فأما على الوجه الأوَّل فهو ممكن، ومن جهته صح تفسير القرآن وبيان معناه للعامّة، ومن ليس له فهم يقوى على تحصيل معانيه، وكان ذلك جائزًا باتفاق أهل الإسلام، فصار هذا الاتفاق حجّة في صحة الترجمة على المعنى الأصلي"(٣).
التعليق على مبحث: حكم ترجمة القرآن الكريم
(٢) انظر المصدر نفسه (٢/١٠٥، ١٠٦).
(٣) المصدر نفسه (٢/١٠٦، ١٠٧).