ويلحق بهم في الضلال المشركون الذين أشركوا مع الله إلها غيره؛ لأنّه قد جاء في أثناء القرآن ما يدل على ذلك؛ ولأنّ لفظ القرآن في قوله: ﴿وَلا الضَّالِّينَ﴾ يعمهم وغيرهم، فكل من ضل عن سواء السبيل داخل فيه. ولا يبعد أن يقال: إن ﴿الضَّالِّينَ﴾ يدخل فيه كل من ضل عن الصراط المستقيم، كان من هذه الأمة أو لا، إذ قد تقدم في الآيات المذكورة قبل هذا مثله، فقوله تعالى: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾(١)عام في كل ضال كان ضلاله كضلال الشرك أو النفاق، أو كضلال الفرق المعدودة في الملة الإسلامية، وهو أبلغ وأعلى في قصد حصر أهل الضلال، وهو اللائق بكليّة فاتحة الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم، الذي أُوتيه محمد صلى الله عليه وسلم"(٢).
(٢) وقال - رحمه الله تعالى، في قوله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾(٣)الآية -: "فوصفهم الله تعالى بأوصاف، منها: أنهم أحصروا في سبيل الله، أي: منعوا وحبسوا حين قصدوا الجهاد مع نبيه صلى الله عليه وسلم، كأن العذر أحصرهم، فلا يستطيعون ضربا في الأرض؛ لاتخاذ المسكن، ولا للمعاش؛ لأن العدو قد كان أحاط بالمدينة، فلا هم يقدرون على الجهاد حتى يكسبوا من غنائمه، ولا هم يتفرغون للتجارة أو غيرها لخوفهم من الكفار؛ ولضعفهم في أوّل الأمر، فلم يجدوا سبيلاً للكسب أصلاً.
وقد قيل: إن قوله تعالى: ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ﴾(٤)أنهم قوم أصابتهم جراحات مع رسول الله ﷺ فصاروا زمنى(٥).
(٢) الاعتصام (١/١٨٤، ١٨٥).
(٣) سورة البقرة، الآية: ٢٧٣.
(٤) سورة البقرة، الآية: ٢٧٣.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٢/٥٤٠)، عن سعيد بن جبير بإسناد رجاله منهم الثقة، ومنهم الصدوق، وأورده السيوطي في الدر المنثور (١/٣٥٨) ونسب إخراجه إلى ابن أبي حاتم وغيره.