وفيهم أيضا نزل قوله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ [الْمُهَاجِرِينَ](١) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ﴾(٢)ألا ترى كيف قال: "أُخرجوا" ولم يقل: (خرجوا من ديارهم وأموالهم) ؟! فإنه قد كان يُحتمل أن يخرجوا اختيارًا، فبان أنهم إنما خرجوا اضطرارًا، ولو وجدوا سبيلاً أن لا يخرجوا لفعلوا، ففيه ما يدل على أن الخروج من المال اختيارًا ليس بمقصود للشارع، وهو الذي تدل عليه أدلة الشريعة"(٣).
(٣) وقال أبو إسحاق أيضا - بعد أن أورد قوله تعالى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ﴾(٤)، وبعض الآثار في معناها -: "ويحتمل أن يكون الاستثناء في قوله تعالى: ﴿إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ﴾(٥)متصلاً، ومنفصلاً. فإذا بنينا على الاتصال، فكأنه يقول: ما كتبناها عليهم إلاَّ على هذا الوجه الذي هو العمل بها ابتغاء رضوان الله، فالمعنى أنها مما كتبت عليهم - أي مما شرعت لهم - لكن بشرط قصد الرضوان.
﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾(٦)يريد أنهم تركوا رعايتها حين لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول طائفة من المفسرين؛ لأن قصد الرضوان إذا كان شرطا في العمل بما شُرع لهم، فمن حقهم أن يتبعوا ذلك القصد، فإلى أين سار بهم ساروا، وإنما شرع لهم على شرط أنه إذا نسخ بغيره، رجعوا إلى ما أُحكم، وتركوا ما نُسخ، وهو معنى ابتغاء الرضوان على الحقيقة، فإذا لم يفعلوا وأصروا على الأول، كان ذلك اتباعا للهوى، لا اتباعا للمشروع، واتباع المشروع هو الذي يحصل به الرضوان، وقصد الرضوان بذلك.

(١) ما بين المعكوفين سقط من النسخة المطبوعة التي بين يدي. وسقوطه سهو.
(٢) سورة الحشر، الآية: ٨. ولم أقف على من يقول: إن هذه الآية نزلت فيهم، إلاَّ عند أبي إسحاق.
(٣) الاعتصام (١/٢٦١).
(٤) سورة الحديد، الآية: ٢٧.
(٥) سورة الحديد، الآية: ٢٧.
(٦) سورة الحديد، الآية: ٢٧.


الصفحة التالية
Icon