العقيدة السليمة المستقيمة على منهاج الكتاب والسنة وسلف الأمة هي أهم شرط ينبغي أن يوجد فيمن أراد تفسير كتاب الله تعالى(١).
والمفسرون المحققون لهذا الشرط هم كثير في السلف، قليل في الخلف.
والمصنفات التفسيرية التي نهج أصحابها المنهج القويم تختلف في الاهتمام بالناحية العقدية، فمنها المكثر، ومنها المقل، مع عدم خلوها - جمعا وإفرادًا - من هذا المقصد الأعظم عند تفسير كتاب الله تعالى.
والإمام أبو إسحاق الشاطبي قد اهتم بالناحية العقدية من خلال الآيات التي رأيته فسرها، فهو يبين - رحمه الله تعالى - مقصود الآية على المنهج الصحيح(٢)، ويرد على من خالف ذلك من الفرق الضالة، ويستدل بالأحاديث والآثار وأقوال السلف كثيرًا في هذه الناحية.
وتلمح اهتمامه بهذا الموضوع من خلال أكثر مؤلفاته؛ إلا أن كتابه العظيم "الاعتصام" قد تميز في هذه الناحية.
وإليك بعض الأمثلة على هذا المبحث:
قال أبو إسحاق الشاطبي - رحمه الله تعالى -: "ومثله ما خرجه مسلم عن سفيان، قال: "سمعت رجلاً يسأل جابر بن يزيد الجعفي(٣)عن قوله: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾(٤)فقال جابر: لم يجيء تأويل هذه الآية. قال سفيان: وكذب. قال الحميدي: فقلنا لسفيان: ما أراد بهذا ؟. فقال: إن الرافضة تقول: إن عليا في السحاب، فلا يخرج - يعني مع من خرج من ولده - حتى ينادي منادٍ من السماء - يريد عليا أنه ينادي -: اخرجوا مع فلان. يقول جابر: فذا تأويل هذه الآية، وكذب كانت في إخوة يوسف"(٥).
(٢) إلا مواطن مما يتعلق بالصفات، وانظر ما تقدم في ترجمته (مذهبه).
(٣) جابر بن يزيد الجعفي، من أكبر علماء الشيعة، وثقه شعبة، فشذ، وتركه الحفاظ (ت: ١٢٨ه-). انظر الكاشف (١/١٢٢).
(٤) سورة يوسف، الآية: ٨٠.
(٥) أخرجه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه (١/٢٠، ٢٠).