(٤) وقال رحمه الله تعالى - في معرض الرد على المبتدعة -: "ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾(١)فأثبت لهم الزيغ أولاً - وهو الميل عن الصواب - ثم اتباع المتشابه، وهو خلاف المحكم الواضح(٢)المعنى، الذي هو أمّ الكتاب ومعظمه، ومتشابهه على هذا قليل، فتركوا اتباع المعظم إلى اتباع الأقل المتشابه الذي لا يعطي مفهوما واضحا؛ ابتغاء تأويله، وطلبا لمعناه الذي لا يعلمه إلا الله، أو يعلمه الله والراسخون في العلم، وليس إلاَّ برده إلى المحكم، ولم يفعل المبتدعة ذلك..."(٣).
(٥) وقدم أبو إسحاق الشاطبي بعض الأوجه الإعرابية لكونها موافقة لقول أهل السنة في القدر، فقال - نقلاً عن ابن مالك مستدركا به عليه حيث لم يذكره في الألفية -: "ومن مرجحات النصب أن يكون مخلِّصا من إيهام غير الصواب، والرفع بخلاف ذلك، كقوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾(٤) فَنَصْبُ "كل شيء" رفعٌ لتوهم كون "خلقناه" صفة؛ إذ لو كان صفة لم يفسِّر ناصبا لما قبله.
وإذا لم يكن صفةً كان خبرًا فيلزم عموم خلق الأشياء بقدر خيرًا كانت أو شرًّا. وهذا قول أهل السنة. قال: ولو قُرئ (كلُّ شيء) بالرفع لاحتمل أن يكون "خلقناه" صفة محضة، وأن يكون خبرًا، فكان النصب لرفعه احتمال غير الصواب أولى. فهذه ثلاثة مواضع كان من حقه التنبيه عليها هنا"(٥).
(٢) في النسخة التي نقلت عنها ((الواضع" بالعين بدل الحاء.
(٣) انظر الاعتصام (١/١٩٠).
(٤) سورة القمر، الآية: ٤٩.
(٥) انظر: المقاصد الشافية (١/٩٩، ١٠٠).