على يديه، والتي ورد ذكرها مفصلة في مواضعها المناسبة من القرآن. تصديقا لرسالته في مواجهة بني إسرائيل المعاندين! ولم يذكر النص هنا محمدا - صلى اللّه عليه وسلم - لأن الخطاب موجه إليه. كما جاء في الآية السابقة في السياق :«تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ تِلْكَ الرُّسُلُ.. إلخ». فالسياق سياق إخبار له عن غيره من الرسل.
وحين ننظر إلى مقامات الرسل - صلوات اللّه وسلامه عليهم - من أية ناحية نجد محمدا - صلى اللّه عليه وسلم - في القمة العليا. وسواء نظرنا إلى الأمر من ناحية شمول الرسالة وكليتها، أو من ناحية محيطها وامتدادها، فإن النتيجة لا تتغير..
إن الإسلام هو أكمل تصور لحقيقة الوحدة - وهي أضخم الحقائق على الإطلاق - وحدة الخالق الذي ليس كمثله شيء. ووحدة الإرادة التي يصدر عنها الوجود كله بكلمة :«كن». ووحدة الوجود الصادر عن تلك الإرادة. ووحدة الناموس الذي يحكم هذا الوجود. ووحدة الحياة من الخلية الساذجة إلى الإنسان الناطق. ووحدة البشرية من آدم - عليه السلام - إلى آخر أبنائه في الأرض. ووحدة الدين الصادر من اللّه الواحد إلى البشرية الواحدة. ووحدة جماعة الرسل المبلغة لهذه الدعوة. ووحدة الأمة المؤمنة التي لبت هذه الدعوة.
ووحدة النشاط البشري المتجه إلى اللّه وإعطائه كله اسم «العبادة». ووحدة الدنيا والآخرة داري العمل والجزاء.
ووحدة المنهج الذي شرعه اللّه للناس فلا يقبل منهم سواه. ووحدة المصدر الذي يتلقون عنه تصوراتهم كلها ومنهجهم في الحياة...
ومحمد - صلى اللّه عليه وسلم - هو الذي أطاقت روحه التجاوب المطلق مع حقيقة الوحدة الكبرى كما أطاق عقله تصور هذه الوحدة وتمثلها كما أطاق كيانه تمثيل هذه الوحدة في حياته الواقعة المعروضة للناس.
كذلك هو الرسول الذي أرسل إلى البشر كافة، من يوم مبعثه إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها والذي اعتمدت رسالته على الإدراك الإنساني الواعي دون ضغط حتى من معجزة مادية قاهرة، ليعلن بذلك عهد الرشد الإنساني.
ومن ثم كان هو خاتم الرسل. وكانت رسالته خاتمة الرسالات. ومن ثم انقطع الوحي بعده وارتسمت للبشرية في رسالته تلك الوحدة الكبرى وأعلن المنهج الواسع الشامل الذي يسع نشاط البشرية المقبل في إطاره ولم تعد إلا التفصيلات والتفسيرات التي يستقل بها العقل البشري - في حدود المنهج الرباني - ولا تستدعي رسالة إلهية جديدة.
وقد علم اللّه - سبحانه - وهو الذي خلق البشر وهو الذي يعلم ما هم ومن هم ويعلم ما كان من أمرهم وما هو كائن.. قد علم اللّه - سبحانه - أن هذه الرسالة الأخيرة، وما ينبثق عنها من منهج


الصفحة التالية
Icon