قال :…ومنه أنه يكون ثناء على الجميل الاختياري : وبهذا يندفع الإشكال عن حمدنا الله تعالى على صفاته الذاتية كالعلم والقدرة دون صفات الأفعال، وإن كان اندفاعه على اختيار الجمهور أيضًا ظاهرا ؛ فإن ما ورد عليهم من أن مذهبهم يستلزم أن لا يحمد الله تعالى على صفاته لأنها ذاتية، فلا توصف بالاختيار إذ الاختيار يستلزم إمكان الاتصاف. وقد أجابوا عنه إما بأن تلك الصفات العلية نزلت منزلة الاختيارية لاستقلال موصوفها وإما بأن ترتب الآثار الاختيارية عليها يجعلها كالاختيارية، وإما بأن المراد بالاختيارية أن يكون المحمود فاعلا بالاختيار وإن لم يكن المحمود عليه اختياريًا. وعندي أن الجواب أن نقول : إن شرط الاختياري في حقيقة الحمد – عند مثبته- لإخراج الصفات غير الاختيارية، لأن غير الاختياري فينا ليس من صفات الكمال إذ لا تترتب عليها الآثار الموجبة للحمد، فكان شرط الاختيار في حمدنا زيادة في تحقق كمال المحمود، أما عدم الاختيار المختص بالصفات الذاتية الإلهية فإنه ليس عبارة عن نقص في صفاته، ولكنه كمال نشأ من وجوب الصفة للذات لقدم الصفة فعدم الاختيار في صفات الله تعالى زيادة في الكمال لأن أمثال تلك الصفات فينا لا تكون واجبة للذات ملازمة لها، فكان عدم الاختيار في صفات الله تعالى دليلا على زيادة الكمال، وفينا دليلا على النقص. وما كان نقصًا فينا باعتبار ما، قد يكون كمالا لله تعالى باعتبار آخر، مثل عدم الولد، فلا حاجة إلى الأجوبة المبنية على التنزيل إما باعتبار الصفة أو باعتبار الموصوف، على أن توجيه الثناء إلى الله تعالى بمادة (حمد ) هو أقصى ما تسمى به اللغة الموضوعة لأداء المعاني المتعارفة لدى أهل تلك اللغة، فلما طرأت عليهم المدارك المتعلقة بالحقائق العالية عبر لهم عنها بأقصى ما يقربها من كلامهم.( )
ويقول في خلق الأفعال وقضية اللطف وهو كلام يشم منه رائحة الاعتزال :


الصفحة التالية
Icon