صفحة : ٤٣
وأما ترتيب الآي بعضها عقب بعض فهو بتوقيف من النبي ﷺ حسب نزول الوحي، ومن المعلوم أن القرآن نزل منجما آيات فربما نزلت عدة آيات متتابعة أو سورة كاملة، كما سيأتي قريبا، وذلك الترتيب مما يدخل في وجوه إعجازه من بداعة أسلوبه كما سيأتي في المقدمة العاشرة، فلذلك كان ترتيب آيات السورة الواحدة على ما بلغتنا عليه متعينا بحيث لو غير عنه إلى ترتيب آخر لنزل على حد الإعجاز الذي امتاز به، فلم تختلف قراءة النبي ﷺ في ترتيب آي السور على نحو ما هو في المصحف الذي بأيدي المسلمين اليوم، وهو ما استقرت عليه رواية الحفاظ من الصحابة عن العرضات الأخيرة التي كان يقرأ بها النبي ﷺ في أواخر سني حياته الشريفة، وحسبك أن زيد بن ثابت حين كتب المصحف لأبي بكر لم يخالف في ترتيب آي القرآن.
وعلى ترتيب قراءة النبي ﷺ في الصلوات الجهرية وفي عديد المناسبات حفظ القرآن كل من حفظه كلا أو بعضا، وليس لهم معتمد في ذلك إلا ما عرفوا به من قوة الحوافظ، ولم يكونوا يعتمدون على الكتابة، وإنما كان كتاب الوحي يكتبون ما أنزل من القرآن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بتوقيف إلهي. ولعل حكمة الأمر بالكتابة أن يرجع إليها المسلمون عندما يحدث لهم شك أو نسيان ولكن ذلك لم يقع.
ولما جمع القرآن في عهد أبي بكر لم يؤثر عنهم أنهم فرددوا في ترتيب آيات من إحدى السور ولا أثر عنهم إنكار أو اختلاف فيما جمع من القرآن فكان موافقا لما حفظته حوافظهم، قال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعونه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن الأنباري كانت الآية تنزل جوابا لمستخبر يسأل ويوقف جبريل رسول الله ﷺ على موضع الآية.
واتساق الحروف واتساق الآيات واتساق السور كله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.