صفحة : ٥٤
وكذلك لما ورد عن أصحاب النبي ﷺ ومن بعدهم من الأئمة مثل ما روى أن عمرو بن العاص أصبح جنبا في غزوة في يوم بارد فتيمم وقال: الله تعالى يقول: )ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما( مع أن مورد الآية أصله في النهى عن أن يقتل الناس بعضهم بعضا. ومن ذلك أن عمر لما فتحت العراق وسأله جيش الفتح قسمة أرض السواد بينهم قال: إن قسمتها بينكم لم يجد المسلمون الذين يأتون بعدكم من البلاد المفتوحة مثل ما وجدتم فأرى أن أجعلها خراجا على أهل الأرض يقسم على المسلمين كل موسم فإن الله يقول:)والذين جاءوا من بعدهم( وهذه الآية نزلت في فيء قريظة والنضير، والمراد بالذين جاءوا من بعد المذكورين هم المسلمون الذين أسلموا بعد الفتح المذكور. وكذلك استنباط عمر ابتداء التاريخ بيوم الهجرة، من قوله تعالى )لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أ تقوم فيه( فإن المعنى الأصلي أنه أسس من أول أيام تأسيسه، واللفظ صالح لأن يحمل على أنه أسس من أول يوم من الأيام أي أحق الأيام أن يكون أول أيام الإسلام فتكون الأولية نسبية. وقد استدل فقهاؤنا على مشروعية الجعالة ومشروعية الكفالة في الإسلام، بقوله تعالى في قصة يوسف )ولمن جاء حمل بعير وأنا به زعيم( كما تقدم في المقدمة الثالثة، مع أنه حكاية قصة مضت في أمة خلت ليست في سياق تقرير ولا إنكار، ولا هي من شريعة سماوية، إلا أن القرآن ذكرها ولم يعقبها بإنكار. ومن هذا القبيل استدلال الشافعي على حجية الإجماع وتحريم خرقه بقوله تعالى )ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا( مع أن سياق الآية في أحوال المشركين، فالمراد من الآية مشاقة خاصة واتباع غير سبيل خاص ولكن الشافعي جعل حجية الإجماع من كمال الآية.


الصفحة التالية
Icon