صفحة : ٥٥
فمختلف المحامل التي تسمح بها كلمات القرآن وتراكيبه وإعرابه ودلالته، من اشتراك وحقيقة ومجاز، وصريح وكناية، وبديع، ووصل، ووقف، إذا لم تفض إلى خلاف المقصود من السياق، يجب حمل الكلام على جميعها كالوصل والوقف في قوله تعالى )لا ريب فيه هدى للمتقين( إذا وقف على )لا ريب( أو على )فيه(. وقوله تعالى )وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير( باختلاف المعنى إذا وقف على قوله )قتل(، أو على قوله )معه ربيون كثير(. وكقوله تعالى )وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون( باختلاف المعنى عند الوقف على اسم الجلالة أو على قوله في العلم، وكقوله تعالى )قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك( باختلاف ارتباط النداء من قوله )يا إبراهيم( بالتوبيخ بقوله )أراغب أنت(، أو بالوعيد في قوله )لئن لم تنته لأرجمنك(، وقد أراد الله تعالى أن يكون القرآن كتابا مخاطبا به كل الأمم في جميع العصور، لذلك جعله بلغة هي أفصح كلام بين لغات البشر وهي اللغة العربية، لأسباب يلوح لي منها: أن تلك اللغة أوفر اللغات مادة، وأقلها حروفا، وأفصحها لهجة، وأكثرها تصرفا في الدلالة على أغراض المتكلم، وأوفرها ألفاظا، وجعله جامعا لأكثر ما يمكن أن تتحمله اللغة العربية في نظم تراكيبها من المعاني، في أقل ما يسمح به نظم تلك اللغة، فكان قوام أساليبه جاريا على أسلوب الإيجاز؛ فلذلك كثر فيه ما لم يكثر مثله في كلام بلغاء العرب.
ومن أدق ذلك وأجدره بأن ننبه عليه في هذه المقدمة استعمال اللفظ المشترك في معنييه أو معانيه دفعة.
واستعمال اللفظ في معناه الحقيقي ومعناه المجازي معا. بله إرادة المعاني المكني عنها مع المعاني المصرح بها، وإرادة المعاني المستتبعات بفتح الباء من التراكيب المستتبعة بكسر الباء.