صفحة : ٦٠
قال عياض في الشفاء: فلم يزل يقرعهم النبي ﷺ أشد التقريع ويوبخهم غاية التوبيخ ويسفه أحلامهم ويحط أعلامهم وهم في كل هذا ناكصون عن معارضته محجمون عن مماثلته، يخادعون أنفسهم بالتكذيب والإغراء بالافتراء، وقولهم: إن هذا إلا سحر يؤثر وسحر مستمر وإفك افتراه وأساطير الأولين. وقد قال تعالى: )فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا( فما فعلوا ولا قدروا، ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة كشف عواره لجميعهم. ولما سمع الوليد بن المغيرة قوله تعالى: )إن الله يأمر بالعدل والإحسان(الآية قال: والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر وما هو بكلام بشر. وذكر أبو عبيدة أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ فاصدع بما تؤمر فسجد وقال: سجدت لفصاحته، وكان موضع التأثير في هذه الجملة هو كلمة اصدع في إبانتها عن الدعوة والجهر بها والشجاعة فيها، وكلمة بما تؤمر في إيجازها وجمعها. وسمع آخر رجلا يقرأ فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا فقال: أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام. وكون النبي ﷺ تحدى به وأن العرب عجزوا عن معارضته مما علم بالضرورة إجمالا وتصدى أهل علم البلاغة لتفصيله، قال السكاكي في المفتاح: واعلم أن شأن الإعجاز عجيب يدرك ولا يمكن وصفه، كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها، أو كالملاحة.
ومدرك الإعجاز عندي هو الذوق ليس إلا. وطريق اكتساب الذوق طول خدمة هذين العلمين المعاني والبيان نعم للبلاغة وجوه متلثمة ربما تيسرت إماطة اللثام عنها لتجلى عليك، أما نفس وجه الإعجاز فلا ا ه.