وهذه السورة وضعت في أول السور لأنها تنزل منها منزل ديباجة الخطبة أو الكتاب، مع ما تضمنته من أصول مقاصد القرآن كما علمت آنفا وذلك شأن الديباجة من براعة الاستهلال. وهذه السورة مكية باتفاق الجمهور، وقال كثير إنها أول سورة نزلت، والصحيح أنه نزل قبلها )اقرأ باسم ربك( وسورة المدثر ثم الفاتحة، وقيل نزل قبلها أيضا )ن~ والقلم( وسورة المزمل، وقال بعضهم هي أول سورة نزلت كاملة أي غير منجمة، بخلاف سورة القلم، وقد حقق بعض العلماء أنها نزلت عند فرض الصلاة فقرأ المسلمون بها في الصلاة عند فرضها، وقد عدت في رواية عن جابر بن زيد السورة الخامسة في ترتيب نزول السور. وأيا ما كان فإنها قد سماها النبي ﷺ فاتحة الكتاب وأمر بأن تكون أول القرآن.
قلت: ولا يناكد ذلك نزولها بعد سور أخرى لمصلحة اقتضت سبقها قبل أن يتجمع من القرآن مقدار يصير به كتابا فحين تجمع ذلك أنزلت الفاتحة لتكون ديباجة الكتاب. وأغراضها قد علمت من بيان وجه تسميتها أم القرآن.
وهي سبع آيات باتفاق القراء والمفسرين، ولم يشذ عن ذلك إلا الحسن البصري، قال هي ثمان آيات، ونسب أيضا لعمرو بن عبيد وإلى الحسين الجعفي قال هي ست آيات، ونسب إلى بعضهم غير معين أنها تسع آيات، وتحديد هذه الآيات السبع هو ما دل عليه حديث الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال قال الله عز وجل، قسمت الصلاة نصفين بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، يقول العبد )الحمد لله رب العالمين(، فأقول حمدني عبدي، فإذا قال العبد )الرحمن الرحيم(، يقول الله أثنى علي عبدي، وإذا قال العبد )مالك يوم الدين(، قال الله مجدني عبدي، وإذا قال )إياك نعبد وإياك نستعين(، قال الله: هذا بيني وبين عبدي، وإذا قال )اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين(، قال الله هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل اه.