صفحة : ٨
وقال في آخر فن البيان من المفتاح: لا أعلم في باب التفسير بعد علم الأصول أقرأ على المرء لمراد الله من كلامه، من علمي المعاني والبيان، ولا أعون على تعاطي تأويل متشابهاته، ولا أنفع في درك لطائف نكته وأسراره، ولا أكشف للقناع عن وجه إعجازه، ولكم آية من آيات القرآن تراها قد ضيمت حقها واستلبت ماءها ورونقها أن وقعت إلى من ليسوا من أهل هذا العلم، فأخذوا بها في مآخذ مردودة، وحملوها على محامل غير مقصودة إلخ.
وقال الشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز. في آخر فصل المجاز الحكمي: ومن عادة قوم ممن يتعاطى التفسير بغير علم، أن يتوهموا ألباب الألفاظ الموضوعة على المجاز والتمثيل أنها على ظواهرها أي على الحقيقة، فيفسدوا المعنى بذلك ويبطلوا الغرض ويمنعوا أنفسهم والسامع منهم العلم بموضع البلاغة وبمكان الشرف، وناهيك بهم إذا أخذوا في ذكر الوجوه وجعلوا يكثرون في غير طائل، هنالك ترى ما شئت من باب جهل قد فتحوه، وزند ضلالة قد قدحوا به.
وأما استعمال العرب، فهو التملي من أساليبهم في خطبهم وأشعارهم وأمثالهم وعوائدهم ومحادثاتهم، ليحصل بذلك لممارسة المولد ذوق يقوم عنده مقام السليقة والسجية عند العربي القح والذوق كيفية للنفس بها تدرك الخواص والمزايا التي للكلام البليغ قال شيخنا الجد الوزير وهي ناشئة عن تتبع استعمال البلغاء فتحصل لغير العربي بتتبع موارد الاستعمال والتدبر في الكلام المقطوع ببلوغه غاية البلاغة، فدعوى معرفة الذوق لا تقبل إلا من الخاصة وهو يضعف ويقوي بحسب مثافنة ذلك التدبر اه.
ولله دره في قوله المقطوع ببلوغه غاية البلاغة المشير إلى وجوب اختيار الممارس لما يطالعه من كلامهم وهو الكلام المشهود له بالبلاغة بين أهل هذا الشأن، نحو المعلقات والحماسة ونحو نهج البلاغة ومقامات الحريري ورسائل بديع الزمان.