الخامس: القصص وأخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم قال )نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن، وإن كنت من قبله لمن الغافلين( )أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده( وللتحذير من مساويهم قال )وتبين لكم كيف فعلنا بهم( وفي خلالها تعليم، وكنا أشرنا إليها في المقدمة الثانية.
السادس: التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين، وما يؤهلهم إلى تلقي الشريعة ونشرها وذلك علم الشرائع وعلم الأخبار وكان ذلك مبلغ علم مخالطي العرب من أهل الكتاب. وقد زاد القرآن على ذلك تعليم حكمة ميزان العقول وصحة الاستدلال في أفانين مجادلاته للضالين وفي دعوته إلى النظر، ثم نوه بشأن الحكمة فقال )يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا( وهذا أوسع باب انبجست منه عيون المعارف، وانفتحت به عيون الأميين إلى العلم. وقد لحق به التنبيه المتكرر على فائدة العلم، وذلك شيء لم يطرق أسماع العرب من قبل، إنما قصارى علومهم أمور تجريبية، وكان حكماؤهم أفرادا اختصوا بفرط ذكاء تضم إليه تجربة وهم العرفاء فجاء القرآن بقوله )وما يعقلها إلا العالمون( و)هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون( وقال )ن~ والقلم( فنبه إلى مزية الكتابة.
السابع: المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير، وهذا يجمع جميع آيات الوعد والوعيد، وكذلك المحاجة والمجادلة للمعاندين، وهذا باب الترغيب والترهيب.
الثامن: الإعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول؛ إذ التصديق يتوقف على دلالة المعجزة بعد التحدي، والقرآن جمع كونه معجزة بلفظه ومتحدي لأجله بمعناه والتحدي وقع فيه )قل فأتوا بسورة مثله( ولمعرفة أسباب النزول مدخل في ظهور مقتضى الحال ووضوحه. هذا ما بلغ إليه استقرائي. وللغزالي في أحياء علوم الدين بعض من ذلك.


الصفحة التالية
Icon