صفحة : ٣
فكان تمام البيت تفسيرا لمعنى الألمعي، وكذلك الحدود المنطقية المفسرة للمواهي والأجناس، لا سيما الأجناس العالمية الملقبة بالمقولات فناسب أن يخص هذا البيان بصيغة المضاعفة، بناء على أن فعل المضاعف إذا لم يكن للتعدية كان المقصود منه الدلالة على التكثير من المصدر، قال في الشافية وفعل للتكثير غالبا وقد يكون التكثير في ذلك مجازيا واعتباريا بأن ينزل كد الفكر في تحصيل المعاني الدقيقة، ثم في اختيار أضبط الأقوال لإبانتها منزلة العمل الكثير كتفسير صحار العبدي وقد سأله معاوية عن البلاغة فقال: أن تقول فلا تخطئ، وتجيب فلا تبطئ ثم قال لسائله أقلني لا تخطئ ولا تبطئ.
ويشهد لهذا قوله تعالى )ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا(. فأما إذا كان فعل المضاعف للتعدية فإن إفادته التكثير مختلف فيها، والتحقيق أن المتكلم قد يعدل عن تعدية الفعل بالهمزة إلى تعديته بالتضعيف لقصد الدلالة على التكثير لأن المضاعف قد عرف بتلك الدلالة في حالة كونه فعلا لازما فقارنته تلك الدلالة عند استعماله للتعدية مقارنة تبعية. ولذلك قال العلامة الزمخشري في خطبة الكشاف الحمد لله الذي أنزل القرآن كلاما مؤلفا منظما، ونزله على حسب المصالح منجما فقال المحققون من شراحه، جمع بين أنزل ونزل لما في نزل من الدلالة على التكثير، الذي يناسب ما أراده العلامة من التدريج والتنجيم. وأنا أرى أن استفادة معنى التكثير في حال استعمال التضعيف للتعدية أمر من مستتبعات الكلام حاصل من قرينة عدول المتكلم البليغ عن المهموز. الذي هو خفيف إلى المضعف الذي هو ثقيل، فذلك العدول قرينة على المراد وكذلك الجمع بينهما في مثل كلام الكشاف قرينة على إرادة التكثير.


الصفحة التالية
Icon