صفحة : ٣٣
قال أبو بكر بن العربي في كتاب العواصم: اتفق الأئمة على أن القراءات التي لا تخالف الألفاظ التي كتبت في مصحف عثمان هي متواترة وإن اختلفت في وجوه الأداء وكيفيات النطق ومعنى ذلك أن تواترها تبع لتواتر صورة كتابة المصحف، وما كان نطقه صالحا لرسم المصحف، واختلف فيه فهو مقبول، وما هو بمتواتر لأن وجود الاختلاف فيه مناف لدعوى التواتر، فخرج بذلك ما كان من القراءات مخالفا لمصحف عثمان، مثل ما نقل من قراءة ابن مسعود، ولما قرأ المسلمون بهذه القراءات من عصر الصحابة ولم يغير عليهم، فقد صارت متواترة على التخيير، وإن كانت أسانيدها المعينة آحادا، وليس المراد ما يتوهمه بعض القراء من أن القراءات كلها بما فيها من طرائق أصحابها ورواياتهم متواترة وكيف وقد ذكروا أسانيدهم فيها فكانت أسانيد أحاد، وأقواها سندا ما كان له راويان عن الصحابة مثل قراءة نافع بن أبي نعيم وقد جزم ابن العربي، وابن عبد السلام التونسي، وأبو العباس ابن إدريس فقيه بجاية من المالكية، والأبياري من الشافعية بأنها غير متواترة، وهو الحق لآن تلك الأسانيد لا تقتضي إلا أن فلانا قرأ كذا وأن فلانا قرأ بخلافه، وأما اللفظ المقروء فغير محتاج إلى تلك الأسانيد لأنه ثبت بالتواتر كما علمت آنفا، وإن اختلفت كيفيات النطق بحروفه فضلا عن كيفيات أدائه. وقال إمام الحرمين في البرهان: هي متواترة ورده عليه الأبياري، وقال المازري في شرحه: هي متواترة عند القراء وليست متواترة عند عموم الأمة، وهذا توسط بين إمام الحرمين والأبياري، ووافق إمام الحرمين ابن سلامة الأنصاري من المالكية. وهذه مسألة مهمة جرى فيها حوار بين الشيخين ابن عرفة التونسي وابن لب الأندلسي ذكرها الونشريسي في المعيار.


الصفحة التالية
Icon