ومن مميزاتها طي ما يقتضيه الكلام الوارد كقوله تعالى في سورة يوسف )واستبقا الباب( فقد طوي ذكر حضور سيدها وطرقه الباب وإسراعهما إليه لفتحه، فإسراع يوسف ليقطع عليها ما توسمه فيها من المكر به لتري سيدها أنه أراد بها سوءا. وإسراعها هي لضد ذلك لتكون البادئة بالحكاية فتقطع على يوسف ما توسمته فيه من شكاية. فدل على ذلك ما بعده من قوله )وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا( الآيات، ومنها أن القصص بثت بأسلوب بديع إذ ساقها في مظان الاتعاظ بها مع المحافظة على الغرض الأصلي الذي جاء به القرآن من تشريع وتفريع فتوفرت من ذلك عشر فوائد: الفائدة الأولى: أن قصارى علم أهل الكتاب في ذلك العصر كان معرفة أخبار الأنبياء وأيامهم وأخبار من جاورهم من الأمم، فكان اشتمال القرآن على تلك القصص التي لا يعلمها إلا الراسخون في العلم من أهل الكتاب تحديا عظيما لأهل الكتاب، وتعجيزا لهم بقطع حجتهم على المسلمين، قال تعالى )تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا( فكان حملة القرآن بذلك أحقاء بأن يوصفوا بالعلم الذي وصفت به أحبار اليهود، وبذلك انقطعت صفة الأمية عن المسلمين في نظر اليهود، وانقطعت ألسنة المعرضين بهم بأنهم أمة جاهلية، وهذه فائدة لم يبينها من سلفنا من المفسرين.