فالقرآن له أثر عظيم في استقامة العبد المشتغل به، ذلك لأنه يعيش به دومًا، يقوم وينام وهو يتفكر فيه وفي أوامره ونواهيه، فهو يستولي على مشاعره وأحاسيسه، فيغير مجرياتها، ويحول طريقها إلى الأفضل، كما أنه يعظه ويذكره، ويكشف له حقيقة نفسه وأصلها، فيشعرها بما عندها من أمراض، ويقدم لها مايشفيها من تلك الأمراض، كما أن القرآن ينير لصاحبه طريق الوصول إلى ربه، فيهديه ويجعله يخشاه بالغيب، يرغبه في ثوابه وجنته، ويحذره من عقابه وناره، ومن أثر القرآن في استقامة العبد ما يلي:
أولاً: سيطرة القرآن على القلب والمشاعر
القرآن إذا أخلص له صاحبه لابد أنه سيحدث تحولاً في قلبه، وشاهد ذلك أنه بعد بيعة العقبة أرسل ـ ﷺ ـ مصعب بن عمير إلى يثرب ومعه ما معه من القرآن.. فماذا حدث ؟
دخل النور قلوب أهل يثرب فامتلأت بالإيمان، وتغيرت التصورات والاهتمامات وتوحد الفرقاء، واجتمعوا جميعا على كلمة واحدة، وتمسكوا بحبل الله المتين ـ وهو القرآن ـ فكان منهم ما كان من المستوى العجيب في البذل والتضحية والإيثار.. كل ذلك حدث قبل مجيئه ـ ﷺ ـ إليهم، والدليل على ذلك ما فعلوه مع إخوانهم المهاجرين من تكافل وإيثار في الدور والأموال والثمار، مع فقرهم وشدة حاجتهم، وما كان هذا ليحدث لولا المستوى الإيماني الراقي الذي وصلوا إليه من خلال القرآن.
فقيمة القرآن الحقيقية في قدرته على التغيير، وهذا بلا شك يستدعى فهم معانيه والتأثر بها والعمل بمقتضاها.
فالقرآن هو روح القلوب التي تحيا به سلامتها وزكاتها منه.
فمن تمسك بالقرآن الكريم فقد نُفخت فيه روح الهداية والتوفيق لكل خير، وقد استنار بالنور الذي يبدد ظلام الجهل ويهدي صاحبه إلى سواء الصراط.