أما عن سيطرة القرآن على المشاعر: فنلمس ذلك بوضوح من خلال السيرة النبوية، فحينما رجع رسول الله ـ ﷺ ـ ومن معه من الصحابة من غزوات ذات الرقاع وبعد جهد جهيد جاء الليل وأراد الجميع النوم، وكان لابد من حراس يحرسون المسلمين عند نومهم، فقام بهذه المهمة الصحابيان عباد بن بشر وعمار بن ياسر، وتناوب الاثنان على الحراسة، وبدأ بها عباد ونام عمار، فلما رأى أن المكان آمن صلى، فجاء أحد المشركين فرماه بسهم فنزعه وأكمل صلاته، ثم رماه بسهم ثان فنزعه وأكمل صلاته، ثم رماه بثالث فنزعه وأنهى التلاوة وأيقظ عمارا وهو ساجد، فلما سأله عمار لم لم يوقظه أول ما رمي؟ فأجاب بقوله: كنت في سورة أقرؤها، فلم أحب أن أقطعها حتى أنفدها، فلما تتابع علي الرمي ركعت فآذنتك، وأيم الله لولا أن أضيع ثغرًا أمرني رسول الله ـ ﷺ ـ بحفظه؛ لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفدها.(١)١)
فإن كنت في شك من قدرة القرآن على الهيمنة على مشاعر الإنسان والسيطرة عليها فسل نفسك : لماذا ظل عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ يردد قول الله تعالى: "فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً" [طه١١٤] في ليلة حتى أصبح؟ ولماذا استمر عمر بن الخطاب ـرضي الله عنه ـ يردد في الفاتحة طيلة الليل؟!(٢)٢) وغيرهم وغيرهم

(١) زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام ابن القيم الجوزية٢/٢٢٨، تحقيق وتعليق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، ط/ مؤسسة الرسالة، ومكتبة المنار الإسلامي، ط/١٣، ١٤٠٦هـ١٩٨٦م
(٢) فضائل القرآن لأبي عبيد ص ١٤٧


الصفحة التالية
Icon