قال بن القيم ـ رحمه الله ـ فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به بصدق وإيمان وقبول تام، واعتقاد جازم واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدا.
وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء؟ الذي لو نزل على الجبال لصدعها وعلى الأرض لقطعها، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه.
وأما الأدوية القلبية، فإنه يذكرها مفصلة، ويذكر أسباب أدوائها وعلاجها،(١)٤)
قال تعالى: "أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَة وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"[العنكبوت ٥١].
قال ابن كثير: أي إن في هذا القرآن لرحمة أي بيانا للحق وإزاحة للباطل وذكرى بما فيه حلول النقمات ونزول العقاب بالمكذبين والعاصين لقوم يؤمنون.(٢)٥)
فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله، ومن لم يكفه فلا كفاه الله.
قال الله تعالى:"وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِياًّ لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ"[ فصلت٤٤]
فالقرآن شفاء وعافية ورحمة وهدى للمؤمنين المتمسكين به، فالتمسك بكتاب الله تعالى يمد المؤمن بالشفاء والعافية والرحمة في الدنيا والآخرة.
وأول من يُشفى به ويُرحم هو العالم والمتعلم، الذين يبذلون فيه جهدًا، ويجعلون هذا الجهد ابتغاء وجه ربهم.

(١) : زاد المعاد لابن القيم ٤/٣٥٢
(٢) تفسير القرآن العظيم٣/٤١٩


الصفحة التالية
Icon