" إنهم - في الجيل الأول - لم يكونوا يقرؤون القرآن بقصد الثقافة والاطلاع، ولا بقصد التشوق والمتاع، لم يكن أحدهم يتلقى القرآن ليستكثر به من زاد الثقافة لمجرد الثقافة، ولا ليضيف إلى حصيلته من القضايا العلمية والفقهية محصولاً يملأ به جُعْبَتَهُ. إنما كان يتلقى القرآنَ ليتلقى أمرَ الله في خاصةِ شأنِهِ وشأنِ الجماعةِ التي يعيشُ فيها، وشأنِ الحياةِ التي يحيا بها هو وجماعتُهُ... هذا الشعورُ... شعورُ التلقي للتنفيذِ... كان يفتح لهم من القرآن آفاقًا من المتاع وآفاقًا من المعرفة... إن هذا القرآن لا يمنحُ كنوزَهُ إلا لمن بُقبل عليه بهذه الروحِ : روحِ المعرفةِ المنشئةِ للعملِ... " (٢٠).
وكلُّ من حمل لواء الدعوة وهمومها وجاهد في سبيل إعلاء كلمة الحق :" فله في معايشة القرآن ولذة قراءته وفهم معانيه وتدبُّر مقاصده حظًّا وافرا، يُفْتَحُ له، بِحَسْبِ جهادِهِ وعلمهِ وبذلِهِ ويقينِهِ وصبرِهِ، وبحسبِ المواقفِ التي مرَّتْ بِهِ، وقد ذكَرَ القرآنُ نظائِرَهَا في حياةِ الأنبياءِ وأتباعِهِمْ، وكلُّ مؤمنٍ يحملُ نصيبًا مِنْ حَمْلِ رسالةِ القرآنِ : سيعيشُ مع الآياتِ تدبرًا وتأثرًا ما كان يعيشُهُ في أرضِ الواقعِ، معاناةً وجهادًا ودعوةً وعطاءً " (٢١).
من هنا كانت أهمية أن يتعايش المفسِّرُ مع القرآن بكل جوارحه ويجمعُ له شتات روحِهِ وأركانَ فؤادِهِ ليعيش بكلِّ ذرة من ذراتِهِ وكلِّ خَلَجَةٍ من خلجاتِهِ ويتعايشَ بمشاعِرِهِ وَوُجْدَانِهِ مع كتابِ اللهِ تعالى، هُنَالِكَ تنجلي له الحقائقُ وتتفجرُ له ينابيعُ المعاني وتضيءُ له مشاعلُ الهدى فيسيرُ على هدى وبصيرة. (٢٢).


الصفحة التالية
Icon