فلا بدَّ من حضور القلب وصفائه حتى يرى تلك المعاني بوضوح وجلاء ويحيا بها عملا وسلوكا ودعوة وتربية وجهادا، فكلما تفرَّغَ القلبُ من همومِ الدنيا ومشاغِلِهَا، وكلما طَهُر من التعلُّقِ بها وجعل الآخرةَ همَّه وشُغلَه كلما تَجَلَّتْ له المعاني وأقبلتْ عليه اللطائفُ وَحَضَرَتْهُ الفوائدُ.
وقال الإمام الآجرِيُّ رحمه الله :"... وإذا دَرَسَ القرآنَ فَبِحُضُورٍ وَفَهْمٍ وعقلٍ، هِمَّتُهُ إيقاعُ الفهمِ لما ألزمه اللهُ من اتباعِ ما أمرَ والانتهاءِ عما نهى عنه وَزَجَرَ " (٢٣).
وفي هذا المعنى يقول عثمان بن عفان ( " لو أن قلوبَنَا طَهُرَتْ ما شَبِعْنَا من كلامِ ربِّنا و إني لأكرهُ أن يأتيَ عليَّ يومٌ لا أنظرُ في المصحفِ " (٢٤) و لقد استُشهد ( والمصحفُ بين يديه، فكان آخرَ عهدِهِ في الدنيا كتابُ الله.
وإنَّ مِنْ وسائلِ معايشةِ القرآنِ الكريمِ تتبعَ أسبابِ نزولِهِ وتدرُّجِ آياته، وإطالةَ النظرِ في أحوالِ من نزلَ القرآنُ في شأنهم، وما سبق نزولُهُ أو صاحبَهُ أو لَحِقَهُ من ظروفٍ وملابساتٍ ووقائعَ ونوازلَ. (٢٥)
رابعا : الدقة في النقل و التوثيق
فإن التفسيرَ شهادةٌ مِنْ أعظمِ الشهاداتِ وأمانةٌ من أجلِّ الأمانات ؛ فينبغي أن يُدَقِّقَ المفسرُ فيما ينقلُ ويتثبَّتَ منه، وأن يعزوَ الأقوالَ إلى قائِلِيهَا والأحاديثَ إلى راوِيهَا، والآثارَ إلى مواضِعِهَا، وأن تبرُزَ شخصيتُهُ فيما ينقلُ، وأن يكونَ على معرفةٍ بمصادرِهِ ودرايةٍ بما صُنِّفَ في التفسيرِ قديماً وحديثاً، ومناهجِ المفسرين وطرائقِهِم واتجاهاتِهِمْ..


الصفحة التالية
Icon