وكذلك الحال في التعصب للمذاهب المذاهب الفقهية : اقتحم بعضُهم ميدان التفسير من أجل مناصرة مذهبه الفقهي، فيسعى إلى مناصرة مذهبه يقوده التعصبُ إلى تركِ الأدلة المعتبرَة طالما أنها تتعارض مع ما استقر عليه المذهب، ولا مجال للخروج عن المذاهب أو التعامل مع نصوص الكتاب والسنة أو الرجوع إلى فتاوى الصحابة والتابعين إلا من خلال المذهب، ولا يمكن فهم الكتاب والسنة إلا عن طريق المذهب.
حتى قال أحد دعاة التقليد : وهو أبو الحسن الكرخي رئيس الحنفية في العراق في عصره :" كلُّ آيةٍ تخالفُ ما عليه أصحابَنا فهي مُؤَوَّلَةٌ أو منسوخةٌ، وكلُّ حديثٍ كذلك - مخالفٍ لمذهبِنِا - فهو مؤولٌ أو منسوخٌ " (٥٩).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" وليس لأحدٍ أن يَحْمِلَ كلامَ اللهِ ورسولِهِ على وِفْقِ مذهبِهِ إِنْ لم يتبينْ مِنْ كلامِ اللهِ ورسولِهِ ما يدلُّ على مرادِ اللهِ ورسولِهِ وإلا فأقوالُ العلماءِ تابعةٌ لقولِ اللهِ تعالى ورسولِهِ، ليس قولُ اللهِ ورسولِهِ تابعًا لأقوالِهِم" (٦٠).
ويقول الأستاذ المودودي :" يجب ـ كخطوة أولى ـ على كل من يريد فهم القرآن، سواء آمن به أو لم يؤمن أن يخليَ ذهنه ما أمكن من جميع ما استقر فيه من قبل من التصورات والنظريات، ويطهِّرَه من سائر ما يُكِنُّهُ من الرغبات الموالية أو المناوئة، ثم يكبَّ على دراسته بقلب مفتوح وأذن واعية وقصد نزيه لفهمه، أما الذين يدرسونه واضعين طائفة من التصورات في أذهانهم مقدَّمًا فما يقرؤون بين دفتيه إلا تصوراتهم أنفسهم، ولا يجدون شيئا من رائحة القرآن، ولا يصلح هذا المنهج لدراسة أي كتاب من الكتب، فكيف بالقرآن الذي لا يفتح كنوز معانيه أبدا للذين يدرسونه باتباع مثل هذا المنهج. (٦١)
رابع عشر : تجنب الإسرائيليات والموضوعات.


الصفحة التالية
Icon