* فهذا الفخر الرازي يحشِدُ في تفسيرِهِ كلَّ شيءٍ حتى صار دائرة معارف " فيها كُلُّ شيء إلا التفسيرَ " فقال عنه ابنُ خلِّكان :" جمع فيه كلُّ غريبٍ وغريبةٍ " (٦٧)، فكثر استطراده إلى مسائل لا صلة لها بالتفسير كالفلسفة وعلم الكلام والطب والرياضيات وعلم الفلك، وغير ذلك من المسائل البعيدة الصلة عن جوهر التفسير ومقاصده، فضلا عن جعله من التفسير حلبةً للصراع بين الفلسفات والمذاهب الكلامية. (٦٨)
* وهذا الإمام الألوسي في تفسيره روح المعاني يتوسع توسعا عجيبا في مسائل النحو وأساليب البلاغة ووجوه القراءات بما يصرف القارئ كثيراً عن مقاصد القرآن ويُحَلِّقُ به في أجواءٍ بعيدةٍ عنه حتى قال الفاضلُ بنُ عاشورٍ في كتابِهِ : التفسير ورجاله :" ويُغْرِقُ الألوسيُّ إغراقًا يُسْرِفُ فيه في مسائلِ الاشتقاقِ والإعرابِ حتى يتجاوزَ محلَّ البيانِ إلى القواعدِ والمباحثِ ".(٦٩)
* وعلى هذا الدرب سار الأستاذ طنطاوي جوهري صاحب الجواهر في تفسير القرآن ؛ فلا يكاد يمر بآية كونية أو إنسانية إلا ويستطرد إلى الحديث عن كل ما يتصل بها من علوم ومعارف حتى حوّلَ تفسيره إلى موسوعة في علم النبات والحشرات وأسماء الآلات وأصناف المخترعات وعالم البحار والجبال والفضاء والزلازل والأمطار والأعاصير والبراكين وغيرها من العوالم والظواهر الكونية فضلا عن النظريات العلمية التي يسعى جاهدا إلى ربطها المتكلف بالنص القرآني مع أنها لا تزال خاضعة للبحث والتجارب وإن تعجبْ فَعَجَبٌ ما ضمَّنه هذا التفسير من صور وخرائط ورسومات حتى لَيُخَالُ لمن يطالعُهَ لأولِّ وهلةٍ أنه أمام كتاب تاريخ أو جغرافيا أو في الطب أو الحساب أو الكيمياء أو الأحياء !.
وهذا إن دلَّ على سعة اطلاعه وسبقه لعصره رحمه الله إلا أنه يجنح بسفينته بعيدا عن شاطئ الهَدْيِ القرآنيِّ.


الصفحة التالية
Icon