وغيرها كثير. ونرجو أن يكون قد بذل جهده، واستفرغ وسعه، ووافق الإثمد الحدقة، وشن طبقة. (وكم ترك الأول للآخر) وقد قال ابن مالك في أول كتابه (التسهيل): (وإذا كانت العلوم منحاً إلهية، ومواهب اختصاصية، فغير مُسْتَبْعد أن يدخر لبعض المتأخرين، ما عسر على كثير من المتقدمين، نعوذ بالله من حسد يسد باب الإنصاف، ويصد عن جميل الأوصاف) وطالب علم ينبغي أن يكون فعلاً متعدياًً لا جامداً –على حد تعبير شيخنا- وكاتبة حروف هذا التمهيد (كَمُبْضِعَةِ تَمْرٍ إلى هَجَرْ)

تُهْدى العلوم إليه وهو حقيقة أدرى من المهدي بهن وأعلَمُ
لأنه لولاه –بعد توفيق من الله- ما وضعت سواداً في بياض عن العلوم الشرعية. فأنا حسنة من حسناته. (وكنت في إهدائه إلى مقامه، كمن يهدى إلى بستان أزهاره، وإلى الفلك شموسه وأقماره، وإلى البحر جدولاً، وإلى السَّيْل وشَلاً ). وقد عشت مع هذه الأرجوزة وكتبتها مرتين لأن شيخنا بدأ نظمها بالسجن المركزي بالقنيطرة ولما رُحِّل إلى السجن المحلي بتطوان أعرض عن المنظومة الأولى كلها ما عدا خمسة أبيات، فبدأ نظمها من جديد بالسجن المحلي بأسلوب آخر مختصر أمْلى معظمها عليَّ بالهاتف، وقد صححها ثلاث مرات وكل مرة يزيد فيها وينقص شأنه في ذلك كما قال معمر: (لو عرض الكتاب مائة مرة ما كاد يسلم من أن يكون فيه سقط. أو قال: خطأ). وعن المزني تلميذ الشافعي: (لو عرض كتاب سبعين مرة، لوجد فيه خطأ، أبى الله أن يكون كتاب صحيحاً غير كتابه) ويقول المزني: (قرأت كتاب (الرسالة)على الإمام الشافعي ثمانين مرة، فما من مرة إلا كان يقف على خطأ، فقال: الشافعي: هيه-أي حسبك واكْفُفْ- أبى الله أن يكون كتاب صحيحاً غير كتابه) وقول الشاعر:
كم من كتابٍٍ قد تصفحتُه ** وقلت في نفسي أصلحتُه
حتى إذا طالعتُه ثانياً ** وجدت تصحيفاً فصححتُه


الصفحة التالية
Icon