مع الأخذ بعين الاعتبار بأنني لست أديبًا ولا شاعرًا، لكن أحدو وما لي بعير!، وَأمد القوس وما له وتر، أتجشأ من غير شبع. وأخشى أن يصدق علي قول القائل: (إذا أراد الله بعبد شرًا أغلق عنه باب العمل وفتح عليه باب الجدل)، و(الخير عادة، والشر لحاجة)، (اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القول، كما نعوذ بك من فتنة العمل، ونعوذ بك من التكلف لما لا نحسن، كما نعوذ بك من العجب بما نحسن، ونعوذ بك من السلاطة والهذر).
فالأمة تحتاج إلى فعّالين أكثر مما تحتاج إلى قوالين. وإلى فصيح السنان لا إلى فصيح اللسان. لأن كلام الألكن في العمل نقمة، وسكوته نعمة، حتى وإن سحرت بلاغته الأسماع، وإشراق ديباجته الأنظار. فقد تشبعنا من عبارات الغرور: (أنا، وإنا، ونحن، وعندنا، والذي نراه، ونحن نعتقد، وهذا عندنا جائز، وهذا عندنا غير جائز)، فأصبحنا وسرنا أمام سلفنا الراحل: (مجمع اللؤم والخسة والسفاسف والصفات الذميمة، والأفعال المرذولة، وتطاولنا عن علمائنا الكبار. مع التنطع والتقعر الزائديْن، و (إن الله عز وجل يُبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه، كما تخلل الباقرة بلسانها)، وورد بلفظ: (سيكون قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقرة من الأرض).
ومع هذا كله؛ فلا بلاغة بليغة، ولا فصاحة واضحة، ولا بيان بيّن، ولا برهان صحيح، ولا جزالة ألفاظ، ولا رائحة إنشاء. وسنتقي –إن شاء الله– مأثور القول البذيء والجارح بعد اليوم، مرة أخرى عذرًا شيوخنا ومغفرة، وعفوًا من زلة القلم، ومن بعض عقاربه المسمومة. قلقل الله أنيابه. وما أردنا من ذلك إلا نصرة الإسلام، ولكن أخطأنا بابه، لأن السباب والحمية للإسلام –في الغالب– ساكنان لا يلتقيان، ولا أحب أن أُلاَمَ وأحاسب على الفعل الماضي، نعم على الحال والاستقبال فأهلا وسهلا.


الصفحة التالية
Icon