إي وربي إنهم بنوا لنا قواعد غزيرة، وفوائد عزيزة، وفرائدة جميلة، وشرائد جليلة، ودقائق علمية لطيفة، وجواهر ولآلئَ وَدُرراً ثمينة، كانت مدفونة في خِضَمِّ الأمهات، ومبعثرة هنا وهناك في بطون البنات، (لا فُضَّ فُوهُمْ، ولا سعد من يجفوهم). أجادوا وأفادوا، نصوص بينة، وفصوص غالية، ومباحث عالية، وأدلة نيرة، وبراهين سامية، علم وعمل (ومن لغا فلا جمعة له). بنوا فأحكموا، وهدموا البِدَعَ فحطموا، وقالوا وأصَّلوا، وعملوا وأخلصوا، وأَلَّفُوا ووُفِّقُوا، وحققوا ودققوا، وجرحوا وعدلوا، وصححوا وعَلّلُوا، واستدركوا وأفادوا، وانتقدوا وأجادوا، وسددوا وبعبارة: (فكل الصيد في جوف الفرا) أُعطوا ذكاءً وزكاءً، نصروا وكسروا، من غير رشقٍ بالأسنة، ولا مشقٍ بالألسنة، ولا تمزيق الأديم، ولا مضع اللحوم، لا تفاصح، ولا جعجعة، ولا قعقعة، ولا ضجيج يصم الآذان، ولا تفاضح باسم التناصح بمساعدة من الشيطان، ولا إليكَ إليك.
وَالشَّمسُ في صَادِعِ أنوارهَا ** غنية عن صفة الواصف
عليهم فَلْيَبْكِ العلم وأهلُه. فهم كما قال الإمام أحمد عن شيخه الشافعي: (كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فهل لهذين من خلفٍ؟ أوْ مِنْهما من عوض؟) و(الحر من راعى وداد لحظة، وانتمى لمن أفاده لفظة). وأبو الإفادة أقوى من أبي الولادة.
صُحْبَةُ يومٍ نَسَبٌ قَرِيب ** وذمّة يَعْرِفها اللبِيب