و أما الثالث؛ فيقال: إنه آيل إلى معنى الظهور والانكشاف أيضا. قال أبو حيان: (التفسير في اللغة: الاستبانة والكشف. قال ابن دريد : ومنه يقال للماء الذي ينظر فيه الطبيب: تفسرة. وكأنه تسمية بالمصدر، لأن مصدر فعَّل جاء أيضاً على تفعِلة. نحو جَرَّب تجرِبة، وكرَّمه تكرمة، وإن كان القياس في الصحيح من فعَّل التفعيل، كقوله تعالى: ﴿وأحسن تفسيراً﴾. وينطلق أيضاً التفسير على التعرية للانطلاق. قال ثعلب : نقول: فسرت الفرس: عريته لينطلق في حصره، وهو راجع لمعنى الكشف، فكأنه كشف ظهره لهذا الذي يريده منه من الجري). وقال الزركشي في (البرهان في علوم القرآن) :(فالتفسير كشف المغلق من المراد بلفظه، وإطلاق للمحتبس عن الفهم به، ويقال: فسرت الشيء أفسره تفسيراً، وفسرته أفسره فسراً، والمزيد من الفعلين أكثر في الاستعمال، وبمصدر الثاني منهما سمى أبو الفتح ابن جني كتبه الشارحه (الفسر).
الرابع: أنه مأخوذ من مقلوب لفظه، تقول العرب: (سفرت المرأة)، إذا كشفت قناعها عن وجهها، وسفرت البيت إذا كنسته. ومنه قيل للسفر: سفر؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال. وعليه؛ فيكون اشتقاقه من (التسفير) على القياس: جذب وجبذ. وصعق وصقع. وهذا القول فيه ضعف لا يخفى.
قال الألوسي في (روح المعاني): (والقول بأنه مقلوب السفر مما لا يسفر له وجه). وذهب الراغب إلى أن الفسر يستعمل لإظهار المعنى المعقول، والسفر لإبراز الأعيان للأبصار.
وهذا التفريق فيه نظر، إلا إن قُصِد به غلبة الاستعمال، أما من حيث المعنى اللغوي؛ فلا فرق. فأنت تقول: أسْفر عما في نفسه. وهذا راجع إلى المعنى الأول. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon