يقرب مفهوم (الكلية) من مفهوم (الأصل) ؛ إذ يصلح كلّ منهما أن يكون عبارة عن قاعدة أو ضابط، فيمكن أن تكون الكليات في الفقه قواعد إذا اشتملت على فروع من أبواب، وإذا دارت المسائل المنطوية تحتها على باب واحد فهي ضوابط. ومن المألوف المعهود أن الكلام الذي استهل بكلمة (كل) في الفقه انسحب عليه مفهوم (الكلية) غالباً، سواء كان من قبيل القواعد أم الضوابط. ونشأ استعمال الكليات في سائر العلوم بالنظر إلى وضعها اللغوي في دلالتها على الشمول باعتبار كلمة (كل) صيغة من صيغ العموم، فلا يرجع ذلك في الأصل إلى اصطلاح المناطقة، وإن كان للذوق المنطقي لدى الفقهاء أثر في شيوع هذا التعبير، ويبدو أن العبارات التي تشكل كليات بسبب ابتدائها بـ(كل) صيغت أصالة على هذه الشاكلة بقصد الضبط والربط بين المسائل المتقاربة المتجهة إلى منزع فقهي مشترك واحد، ثم جرت مجرى العلل والقواعد أو الضوابط. وهناك أمثلة كثيرة من هذه الكلمات في جوامع كلام النبي r، ومنها الأحاديث الثلاثة الآتية:
١- (كُلُّْ رَاعٍ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
٢- (وَكُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ).
٣- (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَام).
ثم تعاقب العلماء يستخدمونها عبر القرون، وربما جرت على ألسنتهم وأقلامهم عَفْواً، ولا يخفى ذلك على من له أدنى إلمام بروايات ومقالات منقولة عن الأئمة المجتهدين، ولعل من المناسب أن أبرهن على ذلك بتقديم نماذج من الكليات التي صاغها الفقهاء:
١- الكليات التي تكون بمثابة قواعد:
فمن الكليات التي يتحقق فيها مفهوم القاعدة وتتغلغل في أبواب من الفقه: ما ورد في النصوص الآتية من كتاب (الأم) للإمام الشافعي –رحمه الله:
١- (كل ما كان على الإنسان أن يرده بعينه، ففات، رده بقيمته).
٢- (كل أمر لا يتم إلا بأمرين لم يجز أن يملك بواحد).


الصفحة التالية
Icon