الإعجاز الإعجاز النفسي احتوى القرآن على شرائع الإسلام وأصول دعوته. لكن هذه الشرائع والأصول لا تستغرق جزءًا كبيرًا منه، فإن الإسلام دين يسير الرسالة، محدود التكاليف، وإنما كثرت السور واستبحرت الآيات لكي يمكن عرض الحقائق الدينية في أسلوب عامر بالإقناع، فياض بأدلة!. نعم نستطيع حصر أحكام القرآن وزبدة عقائده وتعاليمه في بضع صفحات، وبضع صفحات ليست شيئًا هينًا، إنها تتسع لحشد كبير من المعارف الثمينة. بيد أن الوحي الإلهي ليس مجموعة من العلوم رصت في كتاب ثم قدمت للناس. إن عماد هذا الوحي- بعد تقرير الحق الذي جاء به- هو كيف يغرس هذا الحق في النفوس، وكيف تفتح أقطارها له وكيف تبقي عليه وإن تعرضت للفتن، وكيف يبقى فيها وإن زاحمه الباطل وضيق عليه الخناق بصنوف المحرجات.! إن وحدانية الله جل جلاله أم العقائد الإسلامية، ومبدأ التوحيد لا يحتاج في بيانه إلى كراسات أو مجلدات، بل كلمة التوحيد تكتب في سطر وتنطق في لحظات، فهل كذلك الأمر في إشراب القلوب حقيقة التوحيد؟! وتتبع مسالك الإنسان لنفي الشرك عنها، وإلزامها الصراط المستقيم؟ وسرد تاريخ الأمم الأولى، وكيف اجتالتها الشياطين عن الفطرة، فاتخذت من دون الله أوثانًا. ثم كيف لقيت المصير الأسود الذي يجب أن تتعظ به الأجيال الجديدة بعد بوار القرون السابقة؟... الأمر هنا يحتاج إلى إفاضة واستطراد يستطاع التغلب على طبيعة الإنسان المعاندة، وإغلاق كل منفذ يمكن أن تهرب منه. ولذلك يقول الله عز وجل: "ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا" ص _١٠٥


الصفحة التالية
Icon