وأسلوب القرآن في استلال الجفوة من النفس، وإلقاء الصواب في الفكر، أوفى على الغاية في هذا المضمار. ذلك أنه لون حديثه للسامعين تلوينًا يمزج بين إيقاظ العقل والضمير معًا، ثم تابع سوقه متابعة إن أفلت المرء منها أولاً لم يفلت آخرًا. كما يصاب الهدف حتمًا على دقة المرمى، وموالاة التصويب... وذلك هو تصريف الأمثال للناس. إنه إحاطة الإنسان بسلسلة من المغريإت المنوعة لا معدي له من الركون إلى إحداها. أو معالجة القلوب المغلقة بمفاتيح شتى، لابد أن يستسلم القفل عند واحد منها. وتراكيب القرآن- التي تنتهي حتمًا بهذه النتيجة- تستحق التأمل الطويل. ولسنا هنا بصدد الكلام عن بلاغتها، بل بصدد البحث عن المعاني التي تألفت منها، فكان من اجتماعها هذا الأثر الساحر... وهناك مثلاً من مئات الأمثلة في هذا الشأن، ترى فيه حديثًا عن مظاهر الكون، ثم إيماء إلى مشاهد القيامة، ثم تحذيرًا للإنسان من الغفلة، ثم دفعًا قويًّا إلى الطريق السوي، لابد فيه من الجمع بين صلاح العقيدة، وسلامة الخلق، وحسن العبادة، ودقة المعاملة للناس أجمعين. " كلا والقمر * والليل إذ أدبر * والصبح إذا أسفر * إنها لإحدى الكبر * نذيرا للبشر * لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر * كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين ". إنني أقرأ هذه الآيات فأحس عملها القوي في أرجاء نفسي، غير أنني لا أدري سر هذا العمل القوي!. ص _١٠٨


الصفحة التالية
Icon