وكثير من الناس يصلون في حياتهم العادية إلى هذه المنزلة من الركود العاطفي، فنجد لديهم برودًا غريبًا بإزاء المثيرات العاصفة، لا عن ثبات وجلادة، بل عن موت قلوبهم، وشلل حواسهم...!! ونحن نعرف هذه الحالة في طباع الناس، ونحاول علاجها بألوان المثيرات التي لا تخطر ببال. خذ مثلاً عاطفة الحب الجنسي. إن هذه العاطفة مع ارتباطها بأعتى الغرائز الإنسانية لم تترك للون واحد من المنشطات المادية والأدبية، بل تسابق الشعراء والمغنون والملحنون والموسيقيون لمداعبة النفس الإنسانية بألوان من الغناء واللحن والعزف تفوق الحصر.. فمن لم تعجبه أغنية هاجته أخرى، ومن استغلق فؤاده أمام لحن انفتح أمام لحن آخر، ومن طال به الإلف فهذا اخترعت له فنون أخرى تثير الهامد من إحساسه، وهكذا. وفي أغلب الآفاق المادية والمعنوية يحسب لملال الإنسان وكلاله حساب دقيق، وتؤخذ الحيطة له كي لا يقف بالمرء في بدايات الطريق...!!! والقرآن الكريم في تحدثه للنفس الإنسانية حارب هذا الملل، وأقصاه عنها إقصاء، وعمل على تجديد حياتها بين الحين والحين حتى إنه ليمكنها أن تستقبل في كل يوم ميلادًا جديدًا: " وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ". وإحداث الذكر هو تجديد معنويات الإنسان كلما صدئت على طول التعب ومس الذهول. وأسلوب القرآن في هذا إجمال يربى على كل تقدير. إنه يخترق أسوار الغفلة ويصل إلى صميم القلب، ثم يقفه راغبًا أو راهبًا بإزاء ما يريد. ص _١١٠


الصفحة التالية
Icon