الإعجاز العلمي لا سبيل إلى معرفة الله عن طريق التأمل في ذاته، فإن الوسائل إلى ذلك معدومة، وإنما طريق التعرف على الله يبدأ من التأمل في خلقه. وعن طريق التفكير السليم فى الحياة والأحياء، واستخلاص المعارف القيمة الخارجة من الأرض أو النازلة من السماء، يمكننا أن ندرك طرفًا من عظمة الخالق الأعلى، وما ينبغي أن يوصف به من كمال..! كيف يعرف روعة القدرة وإحاطة العلم، ودقة الحكمة، وجلال الموجد الكبير، امرؤ مغلق الذهن، مكفوف البصيرة؟! يمشي على الأرض كما تمشي السائمة لا يستبين من صفحات العالم إلا ما تستبينه الدواب من قوانين الكهرباء أو أسرار الجاذبية أو معالم الجمال أو طبائع العمران؟! إنك تنظر إلى الآلة الدوارة، ذات الترس المتراكبة، والأذرع المتشابكة تتحرك كما أريد لها بسرعة ونظام، وتؤدي العمل المطلوب منها برتابة وإحكام، فما تملك نفسك من أن تشهد بحدة للذكاء الذي اخترعها، ومهارة اليد التي قدرتها ثم سيرتها. ونحن كذلك ننظر إلى ما بين أيدينا وما خلفنا، وما فوقنا وما تحتنا، فما نملك أنفسنا من الشهادة لله- الذي أبرز ذلك كله من العدم- بأنه خلق فسوى، وقدر فهدى. وكلما زادت معرفتنا بمادة الوجود وسره، وانكشفت لنا آياته وخباياه أحسسنا أن عظمة المبدع الماجد فوق ما يطيقه وعينا المحدود، وأن التحية التي تقدم لهذا الإله الجليل هي الاعتراف بأن مظاهر وجوده بهرت كما يبهر السنا المتألق عيون الناظرين!! إن درسًا في الطبيعة والكيمياء هو صلاة خاشعة. وإن سياحة في علم الأفلاك هي تسبيح وتحميد. و إن جولة في الحقول الناضرة، والحدائق الزاهرة، أو جولة مثلها في المصانع الطافحة بالحركة المائجة بالوقود والإنتاج.. هي صلة حسنة بالله، ذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد... ص _١١٢


الصفحة التالية
Icon