وقد كنت أهش لحصص العلوم الكونية يوم كنا نتلقى دروسنا في مرحلة التعليم الثانوي. وكانت حصيلتنا من هذه الدراسات حسنة، أو هي على الأقل مهاد يستطيع طالب المزيد أن يبني عليه... ثم عرفت أن لجنة تعديل المناهج في الجامع الأزهر طوحت بنصف هذه الدراسات، وردت أكثر الباقي إلى مرحلة التعليم الابتدائي. وحجتها فسح المجال لعلوم اللغة والشريعة!!. وهذا عمل طائش، والحجة فيه داحضة؛ فإن العلوم الكونية في صميم المعارف الإسلامية، بل هي أولى بالله وبدينه من أكثر العلوم المنسوبة إلى الإسلام الآن!!. والحقيقة أن هذا التصرف عودة إلى المعصية التي ارتكبها المفكرون الإسلاميون عندما ذهلوا عن البحث في المادة، وانشغلوا بالبحث فيما وراءها، فرجعوا بعد عدة قرون من هذا الشطط وأيديهم صفر...! فلا هم الذين فهموا المادة وانتفعوا بعلومها المتاحة.. ولا هم الذين اخترقوا أسوار الغيوب، وعرفوا كنه ما وراء الطبيعة!. بل ليت أيديهم عادت صفرًا، لقد عادت وملؤها الوهم من فلسفات النظر الفاشل، والتفكير المريض.. إن كل توهين للدراسات المادية هو مشاقة واضحة لآيات النظر والتدبر الواردة في القرآن الكريم- وما أكثرها. وما نغالي إذا قلنا: إنها حكم بالإعدام على هذه الآيات، ثم إقامة مجتمع ساذج، أو مستغفل. أو بليد بين أرض وسماء حافلتين بالنور والقوة... إن الله الذي خلق العقل نوه به وأشاد بقيمته. لان الله الذي أنزل الإسلام، وأتم به النعمة، جعل ملاك فقهه وقيام أمره على ذلك العقل. وإن الله الذي أبدع هذا العالم لم يلق مفاتيح إبداعه للبله والحمقى، و إنما ألقاها للعالمين الأذكياء. ص _١١٣


الصفحة التالية
Icon