ولم يتح تسخيرها للمفرطين العاجزين، و إنما أتاحها لأولى العزم الأقوياء..!! والتطابق بين الكون الممهد، وبين العقل الواعي كالتطابق بين الحق وغطائه... فإذا لم يستفق العقل ويؤد رسالته، انفصمت العلائق بينه وبين هذا العالم، وبالتالي وهت صلته بالله، وانحسرت دون مداها. فمن أين تأتي معرفة الله على وجه مستكمل جميل إلا عن طريق إمعان النظر في ملكوت الله، ومطالعة روائعه بين الحين والحين؟؟! وإذا كان ذلك طريق ابتداء المعرفة، فهو كذلك طريق مضاعفتها. ولا يصدنك عن هذا الحق أن هناك علماء بالكون يجهلون ربهم؛ فإن أسباب جهلهم أو جحدهم لا تنبعث من هذه الدراسات. وإذا وجدنا من يقرأ الكتاب العزيز ويكفر به، فليس كفرانه آتيًا من قبل قراءته، وما يجرؤ مسلم على تحريم القراءة، لأن بعض المعلولين لم يحسن الإفادة منها. كذلك لا يقبل من أحد أبدًا أن يغض من شأن الدراسات الكونية، لأنها لم تهد بعض الملحدين إلى رب العالمين. وليس ثمة تفاوت بين العلم والدين، فإن الله الحق هو مصدر الاثنين، و إذا لوحظ أن هناك اختلافًا فليس بين علم ودين، بل بين دين وجهل أخذ سمة العلم، أو بين علم ولغو لبس سمت الدين. وسترى أن القرآن الكريم مستقيم كل الاستقامة مع كل الكشوف التي يميط العلم عنها الستار، وذلك لا ريب من دلائل صدقه وآيات إعجازه. فإن راكب الناقة ابن الصحراء- الذي لم يخض اللجج يومًا أو يكابد الأنواء - حين يجيء على لسانه وصف علمي دقيق للبحر والجو؛ نجزم بأن هذا الوصف ليس من عنده، بل من عند عالم الغيب والشهادة. هب أن فلاحًا من أغمار الصعيد كتب وصفًا لرحلة جوية بين شاطئ المحيطين. ذكر فيها أنباء لا تعرفها إلا أدق المراصد، وأحوالاً ما يتبينها إلا أذكى الطيارين. أتحسب أحدًا يصدق بأنه قال ذلك من عند نفسه؟؟ ص _١١٤


الصفحة التالية
Icon