بل قارن بين هذه الحركة، وبين ثورة الطبقات التي أشعلها الروس، وجعلوا الدعايات المغرية تسبقها أو تلحقها، حتى إنهم ليجعلون من مبادئهم أماني للمحرومين، وأهدافًا للطامحين. فما تنالهم هزيمة إلا هاجت حميتهم لكفاح جديد وأمل بعيد.. إن ذلك يؤكد الحقيقة التي أشرنا آنفًا وهي أن النهضات الكبرى لا تستوي وتستمر على الزمن إلا بمدى ما تمت به إلى المشاعر والأفكار وتنفذ به إلى النفوس والعقول. والنهضة التي اقترنت بالقرآن الكريم اقتران النهار بالشمس؛ وجدت أسباب الحياة والازدهار في هذا الكتاب العزيز، على نحو يروع الألباب.. بل إن هذا القرآن وفر للنهضة الإسلامية من عناصر الوجود والاكتمال. ما لا تستطيع صنعه ألف وزارة للدعاية تجند فيها لتغذية العواطف والآراء آلاف الأفلام الواعية والألسنة الحادة. كان هذا القرآن للحركة الإسلامية صحافتها، وإذاعتها، وكتابتها، وخطابتها، ومن آياته وحدها اهتزت الأجيال الهامدة اهتزازة الحياة، وتخلصت بقوة وعزم من عقابيل الجاهلية الأولى لتنشئ نهضة جديدة متميزة بحقائقها وشاراتها: نهضة لم تنبعث من نفس رجل واحد فتموت بموته، بل نهضة تنبعث من أعماق النفوس التي آمنت عن يقين جازم. واقتناع محض، وكأن كل واحد من حملة هذه الرسالة هو الذي اختص بهذه الآيات :" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين "، إن الإسلام عقد الأواصر فأحكمها بين رسالته السماوية، وبين الآخذين بها، والحياة التي يريدونها. وقد كان هذا القرآن الكريم السناد النفسي والعقلي لجهاد الأتباع، وعملهم الرتيب في توجيه الحياة. وإعادة تخطيطها على أسس أرقى. وعندما نتجوز ونترخص وندخل في باب المقارنة بين الدعائم الأدبية للثورات ص _٠١٤


الصفحة التالية
Icon