المختلفة. نجد رباط المسلم بالقرآن أوثق وأزكى من رباط الشيوعيين بكتاب " ماركس " وغيره. ومن رباط الديمقراطيين بكتابات " روسو " وغيره، بل إن الفيوض المعنوية التي تنساب مع القرآن، وتشرح الصدور به، وتضاعف الحماس له، أجلُّ من أن تدخل في موازنة ما مع أي سناد أدبي لنهضة في الأولين، أو في الآخرين. ألم تر أن السيف يزري بقدره إذا قيل هذا السيف أمضى من العصا ونجاح الدعاية النفسية والفكرية التي أحدثها القرآن هو الذي قذف بالوهن في قلوب خصومه، فحاربوه وفي نفوسهم ريبة من موقفهم، وشك في قضاياهم، بل إن الألوف خاصموا الإسلام، وهم يخفون في طواياهم احترام حقيقته، وتصديق رسالته. ذلك أن الأدلة التي بسطها القرآن الكريم والأساليب التي ساقها حسمت جميع الشبه التي يمكن أن تهجس في النفس، وجعلت دعوته عالية لا تعال. وليس أنجح لرسالة من أن خصمها يحس في أعماق ضميره أنه مبطل في جفائها. وليس أنجح لدعاية من أنها تبلغ في التأثير على عدوها درجة تفرق بين المرء ونفسه!! وبلوغ القرآن هذه الغاية من التأثير في الأصدقاء والأعداء بعض أسرار الإعجاز التي نوه بها العلماء وبعض أسرار الخلود التي كتبها الله لآياته... وقد كره عشاق المعجزات المادية أن تناط بكتاب ما هذه الآثار، وقالوا متطلعين :" ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ". لا.. هذا قرآن تسير به الرجال، وتصلح به الأرض، ويكلم به الأحياء. هذا كتاب يصوغ الحياة في قوالب جديدة، ويرد النفوس إلى نظراتها السليمة، ويذود عن البشر فتن الشياطين، ولوثات الأغبياء، وتقاليد الجاهلين والجاحدين. هذا كتاب الوجود، يعرفه من عرف نفسه، وعرف الغاية من محياه، ومن مبتدئه ومنتهاه. أما الجاحدون له، فسيعلمون غدًا وجه الحق إن لم يعرفوه اليوم. " أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم