حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ". ص _٠١٥
كيف نزل ولماذا خلد ؟؟.. لكي نفهم القرآن فهمًا صحيحًا لابد أن نفهم الأحداث التي عاصرته، وأن نعي الأحوال التي قارنت نزوله. فإن آيات القرآن وثيقة الارتباط بالظروف التي جاءت فيها. وفقه هذه الظروف جزء من فقه الهدايات السماوية التي تعلقت بها وتعرضت لها. لو أن القرآن نزل دفعة واحدة؛ لما أمكن لدارسه أن يفصل بين معانيه وبين الملابسات العديدة المتشعبة التي أحاطت بها. أو لحار في وضع كل حكم بإزاء الحالة الدقيقة التي تناسبه. أما والقرآن نزل مفرقًا على بضع وعشرين سنة حفلت بالحوادث الجسام، وتتابعت عليها أطوار شتى، وكان نزوله على هذا النحو يمت بأوثق الصلات لتغاير الحوادث وتجدد الأطوار؛ لذلك لابد في فقه القرآن من فقه الحياة نفسها التي أحاطت ببداية أمره ونهايته، ولابد من استيعاب التاريخ المفصل لهذه الفترة الخطيرة. ومن الظلم الفادح للقرآن الكريم أن يحاول أحد تفسيره وهو ذاهل عن الجو الذي اكتنف نزول الآيات، فإن تاريخ النزول وسببه جزءان لا يمكن تجاهلهما في تكوين المعنى وإيضاح القصد، بل لا يمكن تجاهلهما في تربية الناس بالقرآن وأخذهم بآدابه...! وقد علمنا الله - عز وجل - طرفًا من هذه الحقيقة، في هذه الآيات من القرآن. " وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا * ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ". أي أن الله نزله مفرقًا كذلك لحكمة مرادة له، وما كان يعجز عن إبرازه للناس مرة واحدة، لكن ذلك- لو حدث- يفوت الآثار العظيمة المقصودة من إرسال الكلام في مواضعه التي يجود فيها. إن الكلمة في مناسبتها الدقيقة تجيء كالعون المسعف عند الحاجة الماسة، أو كالحلو البارد على شدة الظمأ. ص _٠١٦


الصفحة التالية
Icon