وليكن كلامه وحيًا. بيد أن المصلحة القبلية تقضي بكتمان أمره، وانتقاص شخصه. ولذلك عاد أبو جهل يلح على الوليد: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه؟! فقال الوليد: دعني أفكر... وفكر الوليد، ثم أحب أن يكون منطقيًّا مع نفسه فقال: هذا سحر!! ولعله يقصد بالسحر ما جاءت به قوى خفية، لا يعرف الناس عادة حقيقتها، وفي هذا الحوار نزل قوله عز وجل: " ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا * سأرهقه صعودا * إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر * سأصليه سقر ". والواقع أن من الكذب الشائن على الفطرة والبداهة، وعلى العقل والرواية، أن يزعم زاعم بأن القرآن الكريم كلام عادي. وأن أديبًا راسخ القدم في البلاغة يستطيع أن يجيء بمثله...! وقد تساءل كثيرون عن أسرار هذا التفرد الذي اتصف به القرآن الكريم. ولاشك أن المعاني التي تضمنها والذي سداها ولحمتها من الحق الخالد أساس لهذا الإعجاز.. بيد أن المعنى على جلاله إن لحقه قصور في صورته وأثره، نقصت قيمته، وطاشت دلالته. وهناك معان جميلة في نفوس أصحابها: ولو استبانت على السطور لأشرقت بها الصحائف... ولكنها مشاعر في النفوس فحسب: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً ص _١٢٦


الصفحة التالية
Icon