بين الكتاب والسنة لا خلاف بين المسلمين في أن القرآن الكريم أساس الإسلام، ولباب دعوته، ومناط شرائعه. وأنه الينبوع الأول لشتى تعاليمه في أحوال المعاش والمعاد جميعًا، وأنه برهان النبوة، ودليل صدقها، ومعجزتها الكبرى، وأنه مجلي الوحي الأعلى، وملتقى الحقائق السماوية التي تنزلت من عند الله خالصة من كل شائبة، مبرأة من كل لبس.. ؟ وأنه- بهذا القرآن- أصبح محمد مبلغًا عن الله، ومبينًا عن مراده هـ. وقد انتقل هو به انتقالاً نفسيًّا عاليًا، وصعد به في مرقى الكمال البشري إلى أوج بعيد.. فكانت كل آية تهبط عليه نورًا يتألق به باطنه، وكشفًا تشربت به بصيرته. ومن آثار علمه بالقرآن وتأثره به نطق بالسنن الراشدة والأحاديث الهادية. فكانت هي الأخرى- حكمًا ينفع بها الناس، وهدى يشدهم إلى الطريق المستقيم. وقد امتن الله عليه بهذا الوحي المبارك فقال: " وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ". ومع احترامنا للحشد الكبير من السنن المروية عن رسول الله، وحفاوتنا بالدراسات الحسنة التي تناولتها في القديم والحديث، فنحن نلفت النظر أن للسنة منزلة ثانوية بعد القرآن نفسه، وأن العالم الأصيل بالإسلام إنما تقوم ثروته العلمية أولاً بمدى فقهه في الكتاب العزيز، وبصره بمعانيه ومغازيه، ولمحه لدلالته القريبة والبعيدة... وأن الصورة المتقنة للإسلام إنما تعرف أبعادها وملامحها البارزة من القرآن أولاً، ثم يجيء دور السنة في الإيضاح والتفصيل بعد أن تمهدت الحدود وعرفت الضوابط. ص _١٤٢


الصفحة التالية
Icon