ولذلك نحن نرفض أن يشتغل بالسنة رجل فقير في القرآن، ونرفض أن يستخرج أحكامها رجل قصير الباع في فقه الكتاب واستظهار أحكامه... فإن ذلك قلب للأوضاع، ومزلقة للخطأ في تصور حقائق الدين، وفي ترتيب صغراها وكبراها... وقد أجمع المسلمون على أن القرآن الكريم هو الأصل الأول في التشريع، وأن السنة تجيء بعده في المرتبة... ١- ذلك أن هذه السنن من أقوال وأفعال وأحكام وتقريرات إنما تنبني على الدعائم الممهدة من كلام الله جل شأنه، وتمتد في اتجاهها وترتكز عليها، فهي أشبه بالتوابع الفلكية مع أمهاتها من الكواكب الكبرى. ٢- أن السنة اعتبرت أدلة شرعية بشهادة القرآن لها، فهي تستمد قوتها كمصدر للأحكام من أمر القرآن بذلك في مثل قوله عز وجل: " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ". وقوله " من يطع الرسول فقد أطاع الله ". وبهذا احتج " ابن مسعود " عندما جادلته امرأة في حديثه عن لعن النساء المتبرجات بتزوير الخلقة، زاعمة أن ذلك ليس في القرآن... فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود أنه قال :" لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله، فقالت له امرأة في ذلك- أي اعترضته- فقال " وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله، وهو في كتاب الله؟ قال الله تعالى: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ". ٣- ثم إن القرآن يقيني الثبوت، فهو متواتر جملة وتفصيلاً... أما السنة فإن منها المتواتر، وأكثرها أخبار آحاد. وروايات الآحاد تفيد الظن العلمي لا القطع الجازم. والأحكام الشرعية المهمة تعتمد على اليقينيات لا الظنيات... ص _١٤٣


الصفحة التالية
Icon