وقد حملتهم هذه النظرة على أن يتعسفوا في تأويل النص الذي يبيح بظاهرة التيمم لعذر السفر. قال الله تعالى: " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا ". والآية تجعل السفر رخصة في التيمم.. لأن التقييد بعدم وجود الماء لا معنى لذكره مع المرض أصلاً. وعدم وجود الماء في حالي السفر والإقامة.. يبيح التيمم، فلا معنى لتخصص السفر به.. وقد تعقب صاحب المنار هذا المسلك، فروى عن الشيخ " محمد عبده " نقدًا له جاء فيه ما يلي : قال الأستاذ الإمام: " المعنى أن حكم المريض والمسافر إذا أراد الصلاة كحكم المحدث حدثًا أصغر، أو ملامس النساء ولم يجد الماء، فعلى كل هؤلاء التيمم فقط ". هذا ما يفهمه القارئ من الآية نفسها إذا لم يكلف نفسه حملها على مذهب وراء القرآن يجعلها بالتكلف حجة له منطبقًا عليه... وقد طالعت في تفسيرها خمسة وعشرين تفسيرًا، لم أجد بها غناء ولا رأيت قولاً يسلم من التكلف، ثم رجعت إلى المصحف وحده فوجدت المعنى واضحًا جليًّا، فالقرآن أفصح الكلام وأبلغه وأظهره، وهو لا يحتاج عند من يعرف العربية- مفرداتها وأساليبها- إلى تكلفات فنون النحو وغيره من فنون اللغة عند حافظي أحكامها من الكتب، لعدم تحصيل ملكة البلاغة إلى آخر ما أطال به في الإنكار على المفسرين الذين عدوا الآية مشكلة لأنها لم تنطبق على مذاهبهم انطباقًا ظاهرًا، سالمًا من الركاكة وضعف التأليف، والتكرار الذي يتنزه عنه أعلى الكلام وأبلغه.. ص _١٤٧


الصفحة التالية
Icon