وإذا كان رحمه الله قد راجع خمسة وعشرين تفسيرًا رجاء أن يجد فيها قولاً لا تكلف فيه، فأنا لم أراجع عند كتابة تفسيرها إلا روح المعاني، وهو آخر التفاسير المتداولة تأليفًا، وصاحبه واسع الاطلاع، فإذا هو يقول: " الآية من معضلات القرآن ".. والله إن الآية ليست معضلة، ولا مشكلة وليس في القرآن معضل، إلا عند المفتونين بالروايات والاصطلاحات، وإلا عند من اتخذوا المذاهب المحدثة بعد القرآن أصولاً للدين، يعرضون القرآن عليها عرضًا، فإذا وافقها بغير تكلف أو بتكلف قليل فرحوا، وإلا عدوها من المشكلات والمعضلات..!! على أن القاعدة القطعية المعروفة عمن أنزل عليه القرآن ـ ﷺ ـ وعن خلفائه الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ، أن القرآن هو الأصل الأول لهذا الدين، وأن حكم الله يلتمس فيه أولاً، فإن وجد فيه يؤخذ وعليه يعول. ولا يحتاج معه إلى مأخذ آخر، وإن لم يوجد التمس من سنة رسول الله ـ ﷺ ـ. وعلى هذا أقر النبي ـ ﷺ ـ معاذًا حين أرسله إلى اليمن، وبهذا كان يتواصى الخلفاء والأئمة من الصحابة والتابعين. وقد رأى القارئ أن معنى الآية واضح في نفسه لا تكلف فيه ولا إشكال، ولله الحمد. سيقول أدعياء العلم : نعم إن الآية واضحة المعنى، كاملة البلاغة على الوجه الذي قررتموه. ثم يقولون: ولكنها تقضي أن التيمم في السفر جائز ولو مع وجود الماء، وهذا مخالف للمذاهب المعروفة عندنا. فكيف يعقل أن يخفى معناها هذا على أولئك الفقهاء المحققين؟!، وكيف يعقل أن يخالفوها من غير معارض لظاهرها أرجعوها إليه؟ ولنا أن نقول لمثل هؤلاء- وإن كان المقلد لا يحاج لأنه لا علم له-: وكيف يعقل أن يكون أبلغ الكلام وأسلمه من التكلف والضعف معضلاً مشكلاً؟!.. وأي الأمرين أولى بالترجيح.. ؟! الطعن في بلاغة القرآن وبيانه لحمله على كلام الفقهاء، أم تجويز الخطأ على الفقهاء لأنهم لم يأخذوا بما دل عليه ظاهر الآية من غير


الصفحة التالية
Icon