وكلام الأحناف هذا مقبول من ناحية الشكل، فإن الاعتماد الواسع على القرآن الكريم فى استنباط الأحكام، وتغليب دلالته العامة وظاهره القريب على أي دليل آخر أمر مفهوم ونحن نوصي به. فذلك حق القرآن الكريم علينا... وقاعدة التعويض بالمثل المأخوذة من الآيات لا غبار عليها، لكن الحديث المروي هنا لا يصادمها حتى يرفض بسهولة، فإن صاع التمر الذي قضى به الرسول حكم عادل في مجتمع بسيط لم تتعقد فيه الأمور، حتى تقاس فيه المماثلة بالدرهم والذرة... وعندي أن الحديث يمر، والقاعدة تبقى كما استنبطت من الكتاب العزيز دون حرج، ودون أن يتوهم عليها من السنة اعتراض.. ٣- الرضاع المحرم من الزواج: يفيد القرآن أن الرضاعة تنشئ أمومة وأخوة لها من حرمة المصاهرة مثل ما للنسب القائم. وقد جاء اللفظ الدال على ذلك مطلقًا.. وعلى هذا الإطلاق اعتمد نفر من الأئمة الكبار في القول بأن أي رضاع في مرحلة الطفولة يحرم الزواج: قل أو كثر، توحد أو تعدد.. وردوا الروايات التي تفيد الحرمة بثلاث رضعات، أو خمس، أو عشر، ووجهة نظرهم واضحة في اعتماد الأصل القرآني، إمامًا لهذا الحكم. غير أني قرأت أخيرًا كلامًا حسنًا للشيخ " محمود شلتوت " ينظر في تركيب الآية نظرًا أعمق إذ يجعل الحرمة مستمدة من الموصوف وصفته وصلته جميعها، أي من جملة الكلمات الثلاث " أمهاتكم اللاتي أرضعنكم " فليست أي امرأة تتناول طفلاً ما تناولاً عابرًا وتلقمه ثديها تعتبر أمًّا له. وتندرج في مدلول الآية ". وهذا التفسير في نظري يتيح مكانًا لسنن التقييد الواردة.. وإعمالها أولى من إهمالها ما دامت تسير في مجال القرآن، وتتسق مع أهدافه، ومعنى ذلك أن وصف ص _١٥٠


الصفحة التالية
Icon