الأمومة يجب اعتباره، ولكن ما هو الحد الأدنى للرضعات التي يتحقق بها هذا الوصف! ثلاث؟ أم خمس؟ أم عشر؟ أم ندع الأمر لتقدير العرف كما يقول بعض فقهاء الشيعة؟. ربما كان الأحوط فى هذا الأخذ بمذهب الشافعي فى جعل القدر المحرم من الرضاع خمسًا مشبعات متفرقات، بيد أن غيره من المذاهب الأوسع مقبول أيضًا، ونحن لا نبحث الموضوع هنا، وإنما الذي يعنينا التنويه بأن الاستدلال الصحيح يتجه أولاً إلى القرآن العظيم للأخذ عنه والتعويل عليه.. وقد ترد في بعض الكتب عبارة " السنة قاضية على الكتاب "، ومع أن هذه العبارة كما أوضح قائلوها إنما تعني مجرد قيام السنة بشرح ما غمض وتفصيل ما أجمل، إلا أني أشعر بغضاضة على مكانة القرآن من إرسالها على هذا النحو الذي يوهم ما لا يخطر ببال فقيه مسلم. قلنا: إن هناك فارقًا بين قيمة الثبوت في أخبار الآحاد وقيمة الثبوت في الأخبار المتواترة. ونوضح الآن فارقًا آخر يتعلق بطبيعة الكلام نفسه، ذلك أن ما تقوله ابتداء وأنت تعطيه صفة العموم وتقصد إلى نشره في دائرة رحبة، غير ما تقوله لامرئ وحده قد يحتفظ به لنفسه وقد يبلغه غيره، وقد تنقطع سلسلة العلم به فلا تتجاوز أفرادًا يعدون على الأصابع ! وبداية القرآن الكريم من هذه الناحية غير بداية السنة المطهرة، فإن الوحي الإلهي لم ينزل همسًا في أذن واحدة، ولا كان حديثًا يتوجه إلى شخص فذ، بل بدأ صوتًا جهيرًا يخترق الآذان، وتعاليم عامة لا يختص بها إنسان دون إنسان. أما أحاديث الرسول- وراء ذلك- فقد تكون نصيحة لفرد أو جماعة، وقد تكون توجيهًا خاصًّا يعني أحدًا ولا يتناول غيره. ومعاذ الله أن نقصد بهذا غمط أحاديث الرسول ـ ﷺ ـ، ولكننا ننبه إلى أن كلامًا هذه طبيعته إنما يفهم في ضوء القرآن أولاً وبعد استيعاب هداياته واستبانة منهجه، وبذلك تحسن الاستفادة منه. ص _١٥١


الصفحة التالية
Icon