، أو الإفتاء في المسائل العارضة. ص _٠١٧
بيد أن ذلك لا يجعلنا نغفل الأصل الذي أشرنا إليه ابتداء.. إن ربع قرن في حياة الناس ليس شيئًا هينًا، إنه مرحلة كبيرة في حياة الشباب والشيوخ والرجال والنساء، وهو مرحلة تتسع لشئون كثيرة جدًّا في العلاقات الفردية، والاجتماعية والسياسية، خصوصًا إذا تراوحت أيامه بين الحرب والسلام، وجمعت حوادثه بين أمم مختلفة. وقد قام محمد يدعو إلى الله قرابة هذه الفترة ويواجه العواطف والأفكار، والأفراد والجماعات، والشدة والرخاء، والنصر والهزيمة، والهجرة والاستقرار، وأهل الكتاب وعبدة الأصنام، والدول المنظمة، والقبائل الساذجة! وكان في هذا الإبان الحافل في صميم الحياة ولا يحيا على هامشها!... كان الوحي ينزل طول هذه الفترة توجيهًا لما يستقبل أو تعقيبًا على ما يستدبر، كان القرآن الكريم طوال ثلاث وعشرين سنة ينزل وفيه حكم الله على ما يكون، وفيه تحديد لموقف الإسلام، لا بالأوامر المقتضية فحسب، بل أحيانًا بالقصص المفصلة التي يحيى فيها تاريخ قديم وتسرد فيها أحداث مشابهة. ولهذا القصص لون خاص واتجاه معين. ومن هنا قلت، إن فهم القرآن لا يتم إلا بفهم معالم المجتمع الذي نزل فيه، وإلا بتحري أسباب النزول وتواريخها، واستقصاء الملابسات التي تكتنف الموضوعات كلها، وبهذا يصح أن نكون علماء بالقرآن... وأحب أن أشير هنا إلى خطإ شائع، فكثير من الناس يظن أن التوراة والإنجيل نزلا جملة واحدة، ويعلل اقتراح الأعراب نزول القرآن جملة واحدة، بالاطراد مع السوابق الأولى، وهذا وهم، فمن الذي قال إن هذه الكتب نزلت كذلك؟ وما دليله؟!. إن الواقع من مطالعة ما في يد اليهود والنصارى الآن ينفي هذا الزعم؛ فالأناجيل المتداولة قصص كتبها تلامذة عيسى، ودونوا فيها بعض تعاليمه التي صدرت عنه حسب الحوادث. وكذلك الرسائل الأخرى التي كتبها " بولس " وغيره. والعهد القديم - كما نراه الآن - لا يختلف عن العهد الجديد في


الصفحة التالية
Icon